علم المعاني
  وهنا نحب أن نقف وقفة قصيرة نعلن فيها مخالفتنا لعلماء البلاغة الذين فَصَلوا بين التلذذ والتبرك، وجعلوا كلا منهما عنصراً مستقلاً منفصلاً عن العنصر الآخر.
  نعتقد أن في التبرك عنصراً من التلذذ، وليس العكس.
  وأكبر دليل على ذلك تلك الأقوال والأفعال التي تملأ بطون الكتب. فكم من المؤمنين الذي يرون في العبادة وذكر الله لَذَّاتِ لَا تَعدِلُها أكبر لذات الحياة! وكم حدّثونا عن عمليات جراحية أجريت لرجال كانوا مستغرقين في صلواتهم وخشوعهم وأذكارهم!
  ولا نحب أن يتصور قارئنا أن الذكر ينحصر في اسم الله، جل وعلا، وحده، أو في الصلاة على نبيه الكريم، ﷺ بالذكر الصريح. فهناك من المؤمنين من يُكَنُّون ويرمزون. ذلك أنهم قد يذكرون اسم «ليلى» أو «هند» أو «عفراء» وهم يقصدون من ورائها الحبيب الأعظم.
  لنقرأ أبيات سلطان العاشقين ابن الفارض وحينئذ نتأكد أن «ليلى» ليست في حقيقتها بشراً من لحم ودم، وإنما هي رمز للحب والمحبوب. وما تكرار ذكرها إلا عبادة ولدة في آنٍ واحد.
  أبرق بدا من جانب الغور لامعُ ... أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع
  يقول نساء الحي: أين دياره؟ ... فقلت: ديار العاشقين بلاقعُ
  فإن لم يكن لي في حماهنّ موضع ... فلي في حمى ليلى بليلى مواضِعُ
  ولي عندها ذنب برؤية غيرها ... فهل لي إلى ليلى المليحة شافع
  فيا آل ليلى! ضيفكم ونزيلكم ... بحيكُم يا أكرمَ العُربِ، ضارعُ
  قراه جمال، لا جمال، وإنّه ... برؤية ليلى منية القلب قانع
  إذا ما بدت ليلى، فكلّي أعين ... وإن هي ناجتني فكلّي مَسامِعُ(١)
(١) ديوان ابن الفارض ص ١٥١.