البلاغة بين اللفظ والمعنى
  أراغ معنى كريماً فليلتمس له قولاً كريماً، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما. وقوله: «والمعنى ليس يَشْرُفُ بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يتضع بأن يكون من معاني العامة، وإنما مدار الشرف على الصواب، وإحراز المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من مقال ...»(١).
  كذلك أورد الجاحظ أقوالاً شبيهة بأقوال بشر بن المعتمر منها: «قال بعضهم - وهو من أحسن ما اجتبيناه ودوّناه -: لا يكون الكلام بمستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك»(٢).
  وتحدث ابن رشيق(٣) في كتابه العمدة في صناعة الشعر ونقده عن اللفظ والمعنى فقال فيهما: «إنهما متلازمان، إذ اللفظ جسم روحه المعنى، ومن ثَمَّ كان ما يوصف به أحدهما يُعدّ وصفاً للآخر، فإذا وصف اللفظ بالغرابة أو الابتذال كان ذلك وصفاً للمعنى الجاثم وراءه؛ وكذلك الشأن في المعنى إن وصف بالوضوح أو الغموض كان ذلك وصفاً للفظ الذي يعرضه ويجلوه فليس اللفظ والمعنى شيئين منفصلين كالكوب وما يكون فيه من شراب بل هما مترابطان ترابط الثوب بمادته».
  ***
  نستطيع الآن أن نصل إلى محصلة،: هي: أن البلاغة لا تكون إلا في الحديث الملفوظ أو المكتوب، وأنها لا تفصل بين العلم والذوق، ولا
= الأعلام ٢٨/ ٢.
(١) البيان والتبيين ١٣٥/ ١؛ الصناعتين: ١٣٤؛ البلاغة تاريخ وتطور: ٤٢.
(٢) البيان والتبيين ١/ ١٣٥؛ الصناعتين: ١٣٤؛ البلاغة تاريخ وتطور: ٤٢.
(٣) اسمه الحسن بن رشيق القيرواني. أديب، نقاد، باحث، مغربي الأصل، تونسي الإقامة. من كتبه: «العمدة في صناعة الشعر ونقده» وكتب أخرى في اللغة والتاريخ والحديث والفقه، وله ديوان شعر. ت ٤٦٣ هـ / ١٠٧١ م. الأعلام ٢٠٤/ ٢.