البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

البلاغة بين اللفظ والمعنى

صفحة 22 - الجزء 1

  الألفاظ نفسها، ثم تحدثوا عن الألفاظ وحذفوا كلمة «ترتيب» ثم أسبغوا على الألفاظ صفات فارقة فقالوا: لفظ متمكن ولفظ قلق. إلخ وإنما مقصودهم المعنى⁣(⁣١).

  من جهة ثانية خطاً الجرجاني المنحازين إلى جانب المعنى بشدة لا شدته تقلّ عن في تخطئته من ذهبوا إلى إبراز مميزات اللفظة المفردة فقال: (واعلم أن الداء الدَّوِيَّ والذي أعيا أمره في هذا الباب غَلَط من قدَّم الشعر بمعناه، وأقل الاحتفال باللفظ، وجعل لا يعطيه من المزية إن هو أعطى إلا ما فضل عن المعنى. يقول: «ما في اللفظ لولا المعنى؟ وهل الكلام إلا بمعناه؟) فأنت تراه لا يقدم شعراً حتى يكون قد أودع حكمة وأدباً واشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر»⁣(⁣٢).

  وينفذ الجرجاني بفهم دقيق إلى مشكلة «المعاني مطروحة في الطريق» فيوجه رأي الجاحظ توجيهاً ملائماً، إذ يرى الجرجاني: أن مصطلح «معنى» كما استعمله الجاحظ ذو دلالة دقيقة، فهو يعبّر به عن «الأدوات الأولية» وتفسيراً لهذا يقارن الجاحظ بين الكلام ومادة الصائغ، فهو يصنع من الذهب والفضة خاتماً، فإذا أردت الحكم على صنعته وجودتها نظرت إلى الخاتم من حيث إنه خاتم ولم تنظر إلى الفضة أو الذهب الذي صنع منه، فهذه المادة الأولية تشبه المعنى المطروح وليس فيها تفاضل إن شئت أن تحكم على جودة الصنعة نفسها⁣(⁣٣).

  ويدل على حسن هذا التوجيه وصوابه ما أورد لنا الجاحظ في كتاب البيان والتبيين من أقوال، فقد روى عن بشر بن المعتمر⁣(⁣٤) قوله: «ومن


(١) الدلائل ص ٥٠ - ٥١.

(٢) الدلائل ص ١٩٤.

(٣) الدلائل ص ١٩٦ وانظر تاريخ النقد الأدبي عند العرب للدكتور إحسان عباس ص ٤٢٢ - ٤٢٤.

(٤) بشر بن المعتمر معتزلي من بغداد تنسب إليه الطائفة البشرية. ت ٢١٠ هـ / ٨٢٥ م. =