البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

فن التشبيه

صفحة 16 - الجزء 2

  شبهها - أولاً - بالمهاة، (البقرة الوحشية) ولطالما فُتِن العرب بجمال عيني المهاة أولاً، ونصاعة لونها ثانياً واستخدم أداة التشبيه (مثل) بين طرفي التشبيه: (فتاته والمهاة) فقال: أبرزوها مثلَ المهاة.

  وشبهها - ثانياً - بدُمية الراهب. وكأنه يعني تمثال العذراء الذي يقيمه النصارى على جنبات المذبح - وهو المقصود بكلمة - وبالطبع، هُم يختارون أجمل التماثيل وأحلى الوجوه لها.

  في هذا التشبيه بالدمية لم يستخدم عمر أيّ أداة من أدوات التشبيه؛ ليدخل في روعنا أنها والدمية سواءٌ في الُحسن والجمال.

  ثم تحدث عن مدى حبه لها فقال: لو كان الحب يُحصى لَبَلَغ حبي عدد ذرات الرمال، والحصى، والتراب ...

  وبذلك استطاع الشاعر أن يمثّل لنا الفتاة على أجمل صورة تتمثل في المخيلة، إذ أشرك قارئه بانفعالاته النفسية. وهذه المشاركة بين الصورة في شكلها، والعواطف في جوهرها، من صميم العمل الفنيّ.

  هذا البحث الفنيّ متصل بعدة علوم ... علم البيان أولاً، وعلم النفس ثانياً، وعلم الجمال ثالثاً، وعلم النقد أخيراً شأنه في ذلك شأن بقية البحوث البلاغية.

  ولكي نملك الوسائل المعينة على كشف الصور الفنية، وتبين معاني الروعة والجمال في التعبير الفنيّ، والقدرة على إبداع مُشابه لهذه الأساليب المتفوقة كان لا بدّ لنا من الوقوف على جزئياتِ بحث التشبيه، ومعرفة ألوانها، وأنواعها، وأقسامها.