الباب الأول فن التشبيه
  ج - والطرفان المختلفان: وهما المركبان من مشبَّه حسّيّ ومشبَّه به عقليّ، أو العكس. مثال ذلك:
  إنَّ حَظي كدقيق ... في يوم ريح نثروه
  ثم قالوا لحُفاةِ ... في أرضِ شوكٍ: اجمعوه
  فالحظ: وهو المشبَّه - أمرٌ معنويٌ يدركه العقل والدقيق. وهو المشبَّه به - أمر حسّي يدركه اللمس كما يدركه البصر. وكذلك لو قلنا: هذا العطرُ الفواحُ كأخلاقك العالية ... فالعطر - وهو المشبّه - محسوس، وأما الأخلاق - وهو المشبّه به - فأمر عقليّ ...
  وبعد، فلقد يبدو لنا أن التعمق في تفصيل مادة طرفي التشبيه جاء في وقت متأخر نسبيَّا، وربما كان في القرن السابع الهجري أو بعده. لأن العلماء المتقدمين لم يلتفتوا إلى هذه الجزئيات بمثل ما التفتوا إلى الغايات البعيدة لهذا الفن، وإلى الصور البديعة التي يمكن أن تنبع منه.
  مع ذلك، فإن المتأخرين لم يكونوا بمخطئين حين فرَّعوا هذه التفريعات، وكان قصدُهم البعيد الترتيبَ التدريجيَّ بين هذه التشبيهات ... فتشبيه محسوسٍ بمحسوسٍ ليس كتشبيه معقولٍ بمعقولِ ... وهذان لا يسمُوَان إلى تشبيه معقولٍ بمحسوس؛ لأنه يُخرج ما لا تقع عليه الحواس الى ما تقع عليه.