البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الأول فن التشبيه

صفحة 20 - الجزء 2

  تلك المشاعر النفسيَة كاللذة والألم، والغضب والرضى، والجوع والشبع، والفرح والتَّرح، وإلى غير ذلك.

  فلو قلنا: إن العلم كالحياة، لكان طرفا تشبيها عقليَّين؛ لأن العلم لا يُذاق باللسان، ولا يُشم بالأنف، ولا يُلمس باليد، وإنما يدركه العقل وحده ... وكذلك الشأن في (الحياة)

  وهنا نود أن نضيف ملاحظة وهي: أن العقل قد يخترع صورة لا وجود لها في الواقع. مادتها الأساسية مادة عقلية ... أما تركيبها في صورة تشبيه فشيء غير موجود.

  مثال ذلك: الخوف يفترسني كأنه أنياب الغُول، فالغُول حيوان لا وجود له في الواقع، وإنما هو اختراعٌ من اختراعات العقل الخائف.

  إن مثل هذا التشبيه الذي يخترعه العقل، دون أن يكون له كيانٌ خارجيّ يُدعى في علم التشبيه بالتشبيه الوهمي.

  ويضرب البلاغيون على هذا التشبيه أمثلة منها: قوله تعالى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ٦٥}⁣[الصافات] أو قول امرئ القيس (وَمَسْنُونَةٍ زُرْقٍ كأنياب أغوال) على اعتبار أن الشيطان ليس له وجودٌ خارجيّ محسوس، وإنما هو من عالم الغيَب ... لذلك فرأسه شيء غير معروف تبعاً لعدم معرفة كنه صاحبه - إلا ما أخبرت به الشريعة - وكذلك الأمر في إضافة الأنياب إلى الأغوال. فالأنياب بحَدّ ذاتها معروفة وموجودة ومحسوسة كالرؤوس، لكن إضافتها إلى الأغوال التي لا حقيقة لها جعلها من عالم الوَهْم ... إذ كل ما أضيف إلى الوهمي اكتسب صفة الوهمية مثله.