فن التشبيه
  هذا التشبيه الذي تبادل فيه طرفا التشبيه مواقعها هو ما دعاه البلاغيون بالتشبيه المقلوب.
  ويضربون على ذلك مثلاً ببيت محمد بن وهيب الحميري(١)
  وَبَدَا الصَّباحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ ... وجه الخليفة حين يفْتَدَحُ
  فإن الشاعر قصد إيهام أن وجه الخليفة أتمُّ من الصباح في الوضوح والضياء
  قال سيد البلاغة الشيخ عبد القاهر، (واعلم، أن هذا وإن كان في الظاهر يشبه قولهم: (لا أدري، أوجههُ أنورُ أم الصبحُ، وغُرَتُهُ أَضَوا أم البدر؟، أو نور الشمس مسروقٌ من جبينه) ونحو ذلك من وجوه المبالغة، فإن في الأول(٢) خلابة، وشيئاً من السحر ليس في الثاني(٣) وهو أنه يستكثر للصباح أن يشبهه بوجه الخليفة، ويُوهم أنه احتشد له واجتهد في تشبيه يفحّم به أمره، فيوقع المبالغة في نفسك من حيث لا تشعر، ويفيدُ كها من غير أن يظهر ادعاؤه لها، لأنه وضع كلامه وضع من يقيس على أصلٍ متفقٍ عليه، لا يشفق من خلاف مخالف، وتهكُّم متهكُّم ... والمعاني إذا وردت على النفس هذا المورد، كان لها نوعٌ من السرور عجيب، فكانت النعمة التي لا تكدرها المئة، وكالغنيمة التي لا تحتسب)(٤)
  ***
(١) هو متشيع من شعراء الدولة العباسية، بصري الأصل، بغدادي النشأة، اتصل بالمأمون ومدحه، ثم لم يزل منقطعاً إليه حتى مات.
(٢) ويعني: طريقة التشبيه المقلوب.
(٣) ويعني: طريقة التشبيه العادي.
(٤) انظر أسرار البلاغة ص ١٩٥ (ط ٤)، وتهذيب الإيضاح ٢/ ٦٣، وبغية الإيضاح ٤٤/ ٣.