البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الأول فن التشبيه

صفحة 49 - الجزء 2

  وأبو الفتح عثمان بن جني⁣(⁣١) في كتابه (الخصائص) يُسمّي هذا النوع من التشبيه (غلبة الفروع على الأصول) ويقول: (هذا فصل من فصول العربية طريف، تجده في معاني العرب، كما تجده في معاني الأعراب، ولا تكاد تجد شيئاً من ذلك إلا والغرضُ فيه المبالغة).

  فمما جاء فيه ذلك للعرب قول ذي الرُّمَّة:

  ورمل كَأَوْرَاكِ العَذَارَى قَطَعْتُه ... إِذا الْبَسَتْهُ المظلمات الحنادس⁣(⁣٢)

  أفلا ترى ذا الرُّمة كيف جعل الأصلَ فرعاً والفرع أصلاً؟ وذلك أن العادة والعرف في نحو هذا أن تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء، أي الرمال، ألا ترى إلى قوله:

  ليلى قضيبٌ تحتَهُ كَثِيب ... وفي القلاد رشاٌ ربيب⁣(⁣٣)

  ولله البحتري فما أعذب وأظرف وأدمت قوله:

  أين الغزالُ المستعيرُ من النقَا ... كَفَلاً ومن نوْرِ الأقاحِي مَبْسَما؟

  فقلب ذو الرمة العادة والعرف في هذا، فشبه كثبان الأنقاء، أي الرمال، بأعجاز النساء وهذا كأنه يخرج مخرج المبالغة، أي قد ثبت هذا


(١) عالم لغوي، وناقد مشهور، كان صديقاً لأبي الطيب المتنبي، وثيق الصلة به، معجباً بشعره ... فسّر ديوانه بما يزيد على ألف ورقة ونيف. انظر معجم الأدباء ١١٠/ ١٢ وتاريخ النقد الأدبي عند العرب ص ٢٩٨.

(٢) أثبسه: غطته، الخنادس: ج حندس وهو اشتداد الظلمة.

(٣) القلاد جمع قلادة، وهي ما يوضع في العمق من زينة. والرشأ: الظبي إذا تحرك وقوي ومنى مع امه.