البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الأول فن التشبيه

صفحة 56 - الجزء 2

  الكثير ... وتعود إلى منزلك وأنت فارغُ الجيوب، خالي الوِفاض، صفرُ اليدين ... أخبرني بالله عليك: أين تذهب بالمال الذي تقبضه؟ أين تصرفه؟ هل لك زوجة أخرى فأنت تصرف عليها؟ أو هل لك مساربُ خفية لا أعرفها فأنت تبدّد أموالك فيها؟

  ويجيبها الشاعر المتَّهم بقوله: لا تستغربي يا زوجتي أن يكون الرجل النبيل الأصيل فقيراً أو معدماً ...

  وتَفْغَرُ الزوجة فاها لهذا الكلام، وتبدو عليها أمارات الاستغراب، وتظهر علامات عدم الاقتناع بصحة ما يقول ...

  وهنا يضطر الشاعر - الزوج - إلى البرهان على صحة مقولته فيقول لها: إن أمطار السماء تسقط غزيرة، وقد تصبح سيلاً ... وتصيب كل شيءٍ إنها تنزل فوق قمم الجبال، وتنزل فوق السهول، وكذلك تنزل فوق الأودية ... أليس كذلك؟

  ونلمح في وجه الزوجة بعض علائم التصديق ...

  ويتابع الشاعر المتَّهم بسط فكرته فيسأل: هل تمسك القمم شيئاً من الأمطار النازلة عليها، أو أنها تسيل بسرعة نحو الأودية السفلى فتتجمع فيها؟

  وتفهم الزوجة من حديثه أنه رجل عالي المكانة، رفيع المقام بين الناس ... يصيبه الخير، وتنهال عليه الأموال والخيرات، لكنه - شأنه شأن القمم العالية - لا يحتفظ بتلك الأموال والخيرات، وإنما تسيل من بين يديه كما تسيل أمطار القمم إلى الأودية ...

  ذلك هو التشبيه الضمني ... لا يُوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من