الباب الأول فن التشبيه
  ومثل هذا التعبير الفني يُسمَّى بالتشبيه الضمني.
  لنأخذ مثالاً ثانياً من شعر المتنبي
  مَنْ يَهُنَّ يَسهُلِ الهَوَانُ عليه ... ما لجرح بمّيت إيلامُ
  يريد أبو الطيب أن يقول: إن من عاش بالهوان واعتادهُ، سهُل عليه تقبَّل هوان جديد، وذلّ آخر ولكي يبرهن على صحة مقولته ضرب لنا مثلاً بالميت؛ فلو جئت بسكين ورحت تقطّع أجزاء من جسده، أو تنشر لحمه وعظمه بالمناشير، ما تألم ولا صرخ، ولا شكا، ولا بكي ... لأنه فقد أحاسيسه.
  ألست ترى من خلال المقدمة والبرهان عليها تشبيهاً ضمنياً كان المشبه هو الرجل الذي هان وسهُلَ عليه قبول الهوان الجديد ... وكان المشبه به هو الميت الذي فقد أحاسيسه فلم يعُد يألمُ لجرح جديد ... لو أصابه؟ ..
  ألا يذكرنا هذا بقصة أسماء بنت أبي بكر الصديق ^ حين جاء ولدها الزبير (رض) خائفاً وقال لها: أخشى أن يُمَثَّل بي بنو أمية بعد أن يقتلوني فأجابته: يا بنيّ إن الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ.؟
  وكذلك كان مضمون معنى بيت المتنبي.
  لنضرب مثالاً ثالثاً من شعر أبي تمام:
  لا تُنكِري عَطَلَ الكريم من الغنى ... فالسَّيْلُ حَرْبٌ للمكان العالي
  لنتصور أن الشاعر يخاطب زوجته، وقد رابها أمره، وشكٌت فيه، وأساءتِ الظن ... وسألته:
  أنت تمدح الملوك والأمراء والعظماء، وتنالُ من أُعطياتهم الشيءَ