البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

بين الفصاحة والبلاغة

صفحة 29 - الجزء 1

  إن كثيراً من علماء البلاغة حملوا على امرئ القيس في قوله:

  وفرع يَزِينُ المتن أسود فاحم ... أثيث كَقِنُو النخلة المتَعَثكل

  غدائره مُستَشزِراتٌ إلى العُلى ... تَضِلُّ المَدَارى في مُثَنَّى ومُرْسَلِ⁣(⁣١)

  فقالوا: لقد خرج الشاعر على حد الفصاحة في استخدامه لفظة مُسْتَشزِرات لتقارب مخارج حروفها. فالسين حرف أسلي، يخرج من رأس اللسان، والشين حرف شَجْري، يخرج من شجر الفم - ما بين وسط اللسان، وما يقابله من الحنك الأعلى - والتاء حرف نطعي، يخرج من سقف غار الحنك الأعلى؛ والراء حرف ذُلْقي، يخرج من طرف اللسان.

  وكأنّا بالبلاغيين يقصدون أن اللسان يتحرّك بالحروف عبر مخارج متقاربة، فلا يكاد يتحرك بالحرف حتى يُضطر إلى الانتقال إلى حرف آخر، ليس بينه وبين سابقه إلا مسافة جد قريبة. وتلك هي الصعوبة.

  إن الكلمة السهلة هي التي تتباعد مخارج حروفها، وتريح حركة اللسان، وتسهل اللفظ عليه.

  ولقد سار في هذا الاتجاه معظم الذين تعرّضوا لهذا البيت من البلاغيين أمثال السكاكي⁣(⁣٢)، والقزويني⁣(⁣٣)، والسبكي⁣(⁣٤)، ومن سار في ركابهم.


(١) انظر معاهد التنصيص للعباسي ٤/ ١.

(٢) هو يوسف بن أبي بكر. السكاكي الخوارزمي صاحب كتاب «مفتاح العلوم». ٦٢٦ هـ / ١٢٢٩ م. الأعلام ٢٩٤/ ٩.

(٣) هو محمد بن عبد الرحمن أصله من، قزوين ومولد، موصل، ولي القضاء في ناحية بالروم، ثم بدمشق، ثم بمصر. من كتبه «تلخيص المفتاح» و «الإيضاح». ت ٧٣٩ هـ / ١٣٣٨ م. الأعلام ٦٦/ ٧.

(٤) هو أحمد بن علي بهاء الدين السبكي تولى قضاء الشام عاماً، من مؤلفاته «عروس الأفراح، شرح تلخيص المفتاح». ت ٦٣ هـ / ١٣٦٢ م. الأعلام ١/ ١٧١.