البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

أقسام المجاز

صفحة 86 - الجزء 2

  فالزمان ... والليالي ... والأيام ... أوعية أو ظروف يحدُثُ فيها السرور والكَدَر، والنعيم، والشقاء، والإحسان، والإساءة، وسِواها من أمور الحياة ...

  ومثل ذلك قول طرفة بن العبد

  ستُبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تُزَوَّد

  لقد أسند الشاعر طَرَفَةُ الفعل (تُبدي) إلى الأيام، والأيام فاعل غير حقيقي والذي سوَّغ للشاعر إسناد الفعل إلى غير فاعله الحقيقي العلاقة الزمانية؛ لأن الأيام ظرفٌ يحدثُ فيه الإبداء كما يحدُثُ فيه الإخفاء والقرينة عقليّة.

٣ - العلاقة المكانية

  نقول في كلامنا: عادَ الحُجَّاجُ من الديار المقدسة، فَخَفَّ الناس لاستقبالهم، وازدحمت الشوارع بهم.

  الشوارع، في الحقيقة، أمكنةٌ يسير فيها الناس والسيارات ... وهي جامدةٌ لا تتحرك ...

  وحين أسندنا الفعل إليها، لم نكن نقصد الإسناد الحقيقي؛ لأن العقل يمنع من تصوّر شوارع تتحرك، وتمشي نحو بعضها، وتتزاحمُ ... وإنما الناسُ هُمُ الذين يتزاحمون فيها ... وما الشوارع إلا ظروفٌ مكانيةٌ يتم فيها السَّير، كما يكون فيها الازدحام وغير الازدحام.

  والذي سوَّغ لنا إسناد الفعل (ازدحمت) إلى الشوارع هي العلاقة المكانية بينها وبين الازدحام الذي يحدث فيها