البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

أقسام المجاز

صفحة 98 - الجزء 2

  ومثل ذلك قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}⁣[النساء: ١٠]

  فالإنسان لا يأكل النار، ولكنه يأكل الطعام، وإذا كان الطعام حراماً فإنه يتسَّبب عنه النار والعذاب في الدنيا من تعذيب الضمير والوجدان، وفي الآخرة من عذاب الله.

  لقد أطلقت كلمة (النار) وأريد بها الطعام الحرام ... وبين (النار) و (الحرام) علاقة متماسكة ... وهي أن النار مُسبَّبة عن أكل أموال اليتامى واغتصاب حقوقهم التي حرمها الله.

  لهذا نقول في كلمة (ناراً) مجاز مرسل، علاقته المسببية.

  مثال ثالث: أوصى أب بنيه فقال: يا بنيّ! لا تجالسوا السفهاءَ على الُحمقِ⁣(⁣١)

  إن الأب يريد من أبنائه أن يبتعدوا عن مجالسة السفهاء، الذين يتعاطون شرب الخمرة أو المخدرات لئلا يتعرضوا لحماقاتهم وسفههم وفجورهم الناجم عن هذه المحرَّمات ...

  وكأن الأب يدرك أن شارب الخمر، أو متعاطي المخدرات يفقد عقله بُعيد تناول هذه الآثام ... ويرى الكبير صغيراً، والقويَّ ضعيفاً، والصّالح طالحاً، والصديق عدواً، والشريف غير شريف ... وحين تتراخي قواه العقلية، وتتناثر فضائلهُ الإنسانية، تختلط عليه الأمور، فيسبّ


(١) الحمق - السُّكر.