فن الكناية
  ٦ - وأصبحت مهجورة ... حديقتي مغموره
  ٧ - لا بلبلٌ يزورها ... شوقاً، ولا شحروره
  ٨ - والليلُ مَدَّ فوقها ... مع الأسى ستوره
  ولد الشاعر هارون هاشم رشيد في غزة بفلسطين، وفيها نشأ وترعرع، ورأى بعينيه النكبات المتوالية التي حاقت بوطنه، وضاقت عليه الدنيا في أرض آبائه وأجداده، واضطرته المحن أن يرحل عنها مع زحوف الراحلين، ويضيع مع أبناء وطنه تحت كل نجم.
  القصيدة طويلة، تحدث فيها عن بيته الذي احتله الغاصبون فهدموه، وبعثروا كل ما فيه، ثم جعلوه خراباً ينعق فيه البوم، فاشتاق إلى بيته، وتحسَّر، وحلم بإنقاذه ... وتمنى في ذلك الأماني.
  والحقيقة أن الشاعر هارون هاشم رشيد لا يتحدث عن بيته، الكائن في أحد أحياء مدينة غزة ... ولا يقصد حديقة منزله في ذلك البيت ... وإنما يكني به عن فلسطين كلها، ويصور من خلال حديثه عن بيته حبه لبلاده، وأشواقه ومواجده، وذكرياته وخلجات فؤاده، وآلامه وحسراته التي تملأ حياته.
  لو تأملنا الأبيات والإهداء الذي علاها لوجدناها تشتمل على عبارات مجازية ... وهذه العبارات ليست مفردات، وإنما هي جمل وتراكيب ... لم يقصد بها علاقة المشابهة، أو غير المشابهة ... وإنما قصد بها المعنى الخفيَّ البعيد. وكان يمكن أن يقصد بها المعنى الواضح القريب.
  لنتأمل البيت الأول، نجد الشاعر يقصد به فلسطين كاملة، مع أنه كان بإمكانه أن يقصد بيته الخاص الصغير.