الباب الثالث فن الكناية
  و (مسرح الأحلام) في البيت الثاني ليس مسرحاً عادياً، تلعب فيه الأحلام، أو تمثَّل، وإنما هو الوطن من أدناه إلى أقصاه(١)
  و (القرية المأسورة) في البيت الثاني ذاته قد يراد بها قرية حقيقية مأسورة، وقد يراد بها وطناً كاملاً واقعاً تحت نير الاحتلال ... ولا شك أن الشاعر يقصد المعنى الثاني ويرمي إليه.
  وفي البيت الثالث (بعثروا سطوره) نتساءل: أصحيح أن سطور المنزل كانت مرتبة منظمة، ثم جاء المبعثرون فبعثروها ... أم المراد أن الأعداء أزالوا معالم البلد أو الوطن أو البيت فهدموه؟ ... ولا شك أن الشاعر يقصد المعنى الأخير.
  ومثل ذلك نقول في بقية الأبيات.
  ***
  مثال آخر:
  تفكر الأم بتزويج ولدها الشاب، وتدور من بيت إلى بيت، تفتش له عن العروس المثلى اللائقة به ... حتى إذا وجدتها قعدت تحدثه عنها:
(١) إذا كانت الكناية: استخدام كلمة أو تركيب في غير معناه الأصلي مع جواز إرادة الحقيقة فإن ذلك لا ينطبق على جميع ألوان الكناية. من ذلك مثلاً قول الشاعر: (في مسرح الاحلام) فإنه لا يمكن أن يعني مكاناً تسرح الأحلام فيه كما تسرح الكائنات الحية ... لذلك يبقى المعنى المجازي هو المقصود. ومثل ذلك ما ورد في الآية الكريمة {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}[طه] فهو كناية عن القدرة والتمكن والاستيلاء، وليس الرحمن شيئاً له هيئة معينة، ولا عرشه كالعروش التي يعرفها البشر، ولا جسم مادي يستوي على عرش.