البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 157 - الجزء 2

  طول عنقها، وارتفاع قامتها ... فلو كانت قصيرة لسمعت الأم صوته فوراً

  وفهم الولد أن أهلها أغنياء، وكرماء عندهم الخدم الذين يتولون الطبخ، ومطبخهم يعج بالحركة والنشاط، ولو كانوا عكس ذلك لما كان مطبخهم كما وصفت الأم، ولنام القط في موقدهم آمناً

  أما الأظافر الطويلة المصبغة فإنها تعني عدداً من الأمور: منها أن البنت لا تغسل الصحون، ولا تصلي. ولو غسلت الصحون أو الملابس لتكسرت أظافرها الطويلة، وزالت أصباغها، ولو كانت تصلي لاضطرت إلى إزالة الصباغ ليصح وضوؤها

  تلك هي الكناية في حقيقتها: جملة لها معنيان، معنى ظاهر غير مراد، ومعنى خفي هو المراد مع إمكان صحة المعنى الظاهر وإرادته.

  ***

  تحدث الشيخ عبد القاهر الجرجاني عن الكناية فقال:

  الكناية أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود، فيومي إليه، ويجعله دليلاً عليه، مثال ذلك قولهم (هو طويل النجاد) يريدون طول القامة، و (كثير رماد القدر) يعنون كثير القرى، وفي المرأة

  (نؤوم الضحى) والمراد أنها مترفة مخدومة لها من يكفيها أمرها فقد أرادوا في هذا كله كما ترى معنى. ثم لم يذكروه بلفظة الخاص به، ولكنهم توصلوا إليه بذكر معنى آخر من شأنه أن يردفه في الوجود، وأن يكون إذا كان.