الباب الثالث فن الكناية
  زرت منزل أهلها يا ولدي في الساعة الحادية عشرة صباحاً، وسألت عنها، فقالوا: إنها ما تزال نائمة ... وأيقظتها أمها ورغبت إليها أن تتعجل في لبسها، لتجلس معي ... وحين جاءت البنت تخطر في مشيتها، أدركت على الفور أنها ستكلفك قماشاً كثيراً لأثوابها، وبينا هي واقفة تسلّم علينا سقط قرطها من أذنها، ولم أسمع صوت وقعه على الأرض إلا بعد لحظات ... وأمرتها أمها بتحضير فنجان قهوة لنا ... فَلَحِقْتُها إلى المطبخ ... فأبصرت مطبخاً يعج بالفوضى ... فهنا قدور على النار، وهناك صحون على المغسلة، وعلى الأرض آلات طحن، وسكاكين تقطيع، وأمور كثيرة منثورة في كل ركن ... والخادمة المسكينة تتصبب عرقاً من كثرة التعب والإرهاق ... وعدنا معاً يا بني إلى غرفة الاستقبال، وقدمت الفتاة لنا صينية القهوة، فلحظت أظافرها طويلة مصبوغة بالدهان الأحمر، في غاية العناية. وسألتها بضع أسئلة، فأجابتني بصوت خفيض وعيناها مطرقتان إلى الأرض ... فهل تعجبك مثل هذه الفتاة يا ولدي ... ؟
  وفهم الولد أن أمه معجبة بها إلى حدّ كبير، لكنها لم تشأ إبداء إعجابها إلا من وراء ستار.
  فهم الولد أن نوم الفتاة حتى ساعة متأخرة من النهار يعني أن في بيتها خدماً وحشماً، هم الذين ينهضون باكراً، ويقومون بتدبير المنزل، وتهيئة الطعام والشراب، وأنها مدللة مرفهة.
  وفهم كذلك من إشارة أمه أنها ستكلفه قماشاً كثيراً لأثوابها لأن الفتاة طويلة ومملؤة شحماً ولحماً ولو كانت قزماً أو عجفاء لما كلفت سوى رقعة صغيرة من قماش لثوبها.
  وبسقوط قرطها، وارتطامه بعد لحظات على الأرض دليل آخر على