فن الكناية
  بوجه ألطف وأحسن من الكشف والتصريح، ويعيبون الرجل إذا كان يكاشف في كل وجه، ولا يقولون: (فلان لا يحسن التعريض) إلا ثلباً، وقد جعله الله في خطبة النساء جائزاً فقال: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ}[البقرة: ٢٣٥] ولم يُجز التصريح والتعريض في الخطبة أن يقول للمرأة: (والله إنك لجميلة، وإنك لشابة، ولعل الله أن يرزقك بعلاً صالحاً).
  كذلك تحدث ابن الأثير في المثل السائر عنها فقال(١) (هذا النوع مقصور على الميل مع المعنى وترك اللفظ جانباً. وقد تكلم علماء البيان فيه فوجدتهم قد خلطوا الكناية بالتعريض ولم يفرقوا بينها، ولا حدّوا كلاً منها بحدّ يفصله عن صاحبه، بل أوردوا لهما أمثلة من النثر والنظم، وأدخلوا أحدهما في الآخر، فذكروا للكناية أمثلة من التعريض، وللتعريض أمثلة من الكناية، فمن فعل ذلك الغانمي وابن سنان الخفاجي والعسكري.
  وفي محاولة لتحديد مفهوم (الكناية) فرّق ابن الأثير بينها وبين غيرها من أقسام المجاز بقوله: (إن الكناية إذا وردت تجاذبها جانبا حقيقة ومجاز، وجاز حملها على الجانبين معاً).
  ألا ترى أن (اللمس) في قوله تعالى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء: ٤٣] يجوز حمله على الحقيقة والمجاز، كل منها يصح به المعنى ولا يختل؟ ولهذا ذهب الشافعي
(١) المثل السائر ص ٢٤٧.