البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 165 - الجزء 2

  إلى أن اللمس هو مصافحة الجسد الجسد، فأوجب الوضوء على الرجل إذا لمس المرأة، وذلك هو الحقيقة في اللمس.

  وذهب غيره إلى أن المراد باللمس هو الجماع، وذلك مجاز فيه، وهو الكناية، وكل موضع ترد فيه الكناية فإنه يتجاذبه جانبا حقيقة ومجاز، ويجوز حمله على كليهما معاً

  أما التشبيه فليس كذلك ولا غيره من أقسام المجاز، لأنه لا يجوز حمله إلا على جانب المجاز خاصة، ولو حمل على جانب الحقيقة لاستحال المعنى. ألا ترى أنّا إذا قلنا: (زيد أسد) لا يصح إلا على جانب المجاز خاصة، وذاك أنا شبهنا زيداً بالأسد في شجاعته، ولو حملناه على جانب الحقيقة لاستحال المعنى، لأن زيداً ليس ذلك الحيوان ذا الأربع والذنب والأنياب والمخالب.

  وقد خلص ابن الأثير من هذا النقاش إلى تعريف الكناية بقوله: (حدّ الكناية الجامع لها هو أنها كل لفظة دلت على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز).

  وطبقاً لهذا التعريف فمثالها عنده قوله تعالى {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ}⁣[ص: ٢٣] فكنى بذلك عن النساء، والوصف الجامع بين المعنى الحقيقي والمجازي هو التأنيث. ولولا ذلك لقيل في هذا الموضع: إن هذا أخي له تسع وتسعون كبشاً ولي كبش واحد، وقيل: هذه كناية عن النساء فالوصف الجامع بين الحقيقة والمجاز شرط في صحة تعريف الكناية عنده.