البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 167 - الجزء 2

  وكما فرق ابن الأثير بين الكناية والتعريض من جهة خفاء الدلالة ووضوحها فرق بينهما كذلك من جهة اللفظ فقال: (واعلم أن الكناية تشمل اللفظ المفرد والمركب معاً، فتأتي على هذا تارة وعلى هذا أخرى. وأما التعريض فإنه يختص باللفظ المركب، ولا يأتي في اللفظ المفرد البتَّة والدليل على ذلك أن التعريض لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة ولا من جهة المجاز، وإنما يفهم من جهة التلويح والإشارة، وذلك لا يستقل به اللفظ المفرد، ولكنه يحتاج في الدلالة عليه إلى اللفظ المركب).

  ومن أمثلة التعريض.

  قوله تعالى في شأن قوم نوح: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ٢٧}⁣[هود].

  فقوله: (ما نراك إلا بَشَراً مثلنا) تعريض بأنهم أحق بالنبوة منه، وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم، فقالوا: هَب أنك واحد من الملأ، ومُواز لهم في المنزلة، فما جعلك أحقّ منهم بها؟ ومما يؤكد ذلك قولهم: (وما نرى لكم علينا من فضل).

  مثال آخر:

  وقفت أمرأة على قيس بن عبادة فقالت: (أشكو إليك قلة الفأر في بيتي). فقال: (ما أحَسَنَ ما وَرَّت عن حاجتها، إملأوا لها بيتها خبزاً وسمناً ولحماً). فهذا تعريض من المرأة حسن الموقع.

  ومثله قول المتنبي يعرّض بسيف الدولة وهو يمدح كافوراً: