البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 166 - الجزء 2

  بعد ذلك انتقل ابن الأثير إلى بيان ما بين الكناية والاستعارة من صلة فقال: أما الكناية فإنها جزء من الاستعارة، ولا تأتي إلا على حكم الاستعارة خاصة، لأن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له، أي المشبه، وكذلك الكناية فإنها لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المكنيٌ عنه، أي لازم المعنى.

  ونسبة الكناية إلى الاستعارة نسبة خاص إلى عام، فقال: كل كناية استعارة، وليس كل استعارة كناية، وهذا فرق بينها، ويفرق بينها. من وجه آخر، وهو أن الاستعارة لفظها صريح، والصريح هو ما دل عليه ظاهر لفظه، والكناية ضد الصريح، لأنه عدول عن ظاهر اللفظ. وهذه فروق ثلاثة: أحدهما الخصوص والعموم، والآخر صريح، والثالث الحمل على جانب الحقيقة والمجاز وإذا كانت الكناية جزءاً من الاستعارة، وكانت الاستعارة جزءاً من المجاز، فإن نسبة الكناية إلى المجاز هي نسبة جزء الجزء وخاصّ الخاص.

  بعد هذا انتقل ابن الأثير إلى بحث الصلة بين التعريض والكناية. وقد بدأ بتعريف التعريض فقال: (أما التعريض فهو اللفظ الدال على الشيء من طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي) فإنك إذا قلت لمن تتوقع صلته ومعروفه بغير طلب: (والله إني لمحتاج، وليس في يدي شيء، وأنا عريان، والبرد قد آذاني) فإن هذا وأشباهه تعريض بالطلب، وليس هذا اللفظ موضوعاً في مقابلة الطلب لا حقيقة ولا مجازاً، إنما دل عليه من طريق المفهوم، بخلاف دلالة اللمس على الجماع. وعنده أن التعريض إنما سمَّي تعريضاً لأن المعنى فيه يفهم من عُرْضِه أي من جانبه، وعُرْضُ كل شيء جانبه.