فن الكناية
رحلة الرمز من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث
  وما دمنا في صددَ الحديث عن الرمز، فإنه يحسن بنا أن نتعرض لبعض فصائله، وألوان استخداماته، والواقع الذي اتخذه في الأدب العربي المعاصر.
  لقد قلنا: إن الرمز في عرف البلاغيين هو كناية قليلة الوسائط، خفية اللوازم.
  هذا (الخفاء) فيها قد يكون في درجة قليلة، فيدرك السامع أو القارئ المراد بعد جهد بسيط، وقد يكون على قَدر كبير، فيحتاج حينئذ إلى جهد كبير ليصل إلى المعنى المقصود وإذا تناهى الخفاء إلى حد بالغ كانت الكناية (لحنا) ثم كانت (لُغزاً).
  واللَّحن الذي نقصده هو قول يفهمه الرجل الذي تخاطبه ويخفى على غيره. وبعبارة أخرى: اللَّحن شبيه بالشيفرة التي يستخدمها رجال الأمن. وسفراء الدول، والجواسيس. إذ يتفقون مع رؤسائهم على رموز معينة يتفاهمون بها حتى إذا وقعت هذه الرموز في أيدي غيرهم لم يفهم منها شيئاً.
  لقد عرف العرب في الجاهلية هذا اللون، وسموه (اللَّحن) أو (الَملاَحن) وقد ألف ابن دُريد كتاباً دعاه (الَملَاحن)(١) قال في مقدمته: (هذا كتاب
(١) صححه وعلق عليه ونشره إبراهيم الطفيش الجزائري. وطبعه بالمطبعة السلفية بمصر سنة ١٣٤٧ هـ.