فن الكناية
  ألفناه ليفزع إليه الُمجبر المضطر على اليمين، الُمكرهُ عليها، فيعارض بما رسمناه، ويضمر خلاف ما يظهر. ليَسلَم من عادية الظالم، ويتخلص من جنف الغاشم(١)
  ويعلل مصطفى صادق الرافعي سبب ظهور الملاحن عند العرب بقوله:
  (... وساعدهم على هذا أن في اللغة العربية ألفاظاً تحتمل الدلالة على معنيين أو أكثر، كأن تقول: (ما رَأَيْتُهُ) أي ما ضربت رئته. وما (كَلَمْتُه) أي ما جرحته، وهكذا ...)(٢)
  وللفقهاء كلفٌ بهذه الألفاظ، لأنها تفتح لهم أبواباً كثيرة مما يدعونه بـ (الحيل الشرعية) ولهم فيها ألغاز ومطارحات.
  أما أهل اللغة فيسمونها (فتيا فتية العرب) أو (طبيب العرب) أو (مساجع العرب) وعليها بنى الحريري المقامة الثانية والثلاثين ...
  ومما ورد عن العرب من لحن القول ما رواه القالي في أماليه عن ابن الأعرابي قال: أسرَتْ طيء رجلاً شاباً من العرب، فقدم أبوه وعمه ليفدياه، فاشتطوا عليها في الفداء، فأعطيا به عطية لم يرضوها، فقال أبوه: (لا والذي جعل الفرقدين يُمْسِيان ويصبحان على جبل طيء لا أزيدكم على ما أعطيتكم). ثم انصرف. فقال الأب للعم: لقد ألقيتُ إلى ابني كليمة، لين كان فيه خيرٌ لَيَنْجُونَ. فما لبث أن نجا. واضطرد قطعة من إبلهم. فكأنّ أباه قال له: الزم الفرقدين على جبل طيء فإنها طالعان عليها. وهما - أي هو وعمه - لا يغيبان عنه.
(١) الملاحن ص ٣.
(٢) تاريخ آداب العرب ٤١٧/ ٣.