البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 177 - الجزء 2

  وإذا كان لهذا الرمز من صفة، فهي قدرة الإنسان المثقف، الواعي العارف بمفردات القوم، أو المطلع على قاموسهم اللغوي ... على فهم مقاصدهم، ومعاني عباراتهم وقصائدهم ....

  ودار الزمان، وتقلب الرمز بين أيدي شعراء ضعفاء، فإذا هو ألغاز مرة، وأحاج ومُعمَّيات مرات ....

  وجاء العصر الحديث، وهبت معه رياح من بلاد الغرب، وعاش الناس في البلاد العربية ألواناً من الحياة مريحة حيناً، ومتعبة أو مرهقة إلى درجة العذاب أحياناً كثيرة ... وعاد الرمز من جديد إلى الظهور

  وانقسم الشعراء في استخدام الرمز إلى قسمين:

  الأول: يُطلق الكلمة أو العبارة، ويُطلق معها كذلك جوا من الإيحاءات

  والأضواء فإذا الرمز واضح، وإذا قصد الشاعر منير.

  هذا عمر أبو ريشة يقف على منبر في المكتبة الوطنية بحلب، ويلقي قصيدة عنوانها (أمتي كان قد نظمها بمناسبة هزيمة الجيوش العربية السبعة في فلسطين أمام عصابتي شتيرْن وَأَرَاغُونَ الإسرائليتين بسبب خيانات كثير من قادتهم، يقول فيها:

  أُمَّتِي هَلْ لك بين الأمم ... منبر للسيف أو القلم

  أَتَلَقَّاكِ وَطَرْفِي مُطْرِقٌ ... خَجَلاً من أمسك المنصرم

  ويكاد الدمع يهمي عابساً ... ببقايا كبرياء الألم

  كيف أَقْدَمْتِ وَأَحْجَمْتِ وَلَمْ ... يَشْتَفِ النَّارُ وَلَمْ تَنْتَقِبِي

  رب (وَا مُعْتَصِماه) انطلقت ... من أفواه الصبايا اليتم

  لا مست أسماعهم لكنها لم تُلامس نَخُوةَ المُعْتَصِمِ