البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

الباب الثالث فن الكناية

صفحة 186 - الجزء 2

  أرأيت إلى هذه الكناية الرائعة، وما تحمله من رقة وعطف وحنان تجاه النساء الظاعنات الراكبات الإبل؟ ....

  واقرأ أبيات المتنبي وهو يعرض فيها بسيف الدولة بينا هو في الظاهر يمدح كافوراً:

  رَحلْتُ فكم باك بأجفانِ شَادِنٍ ... عَلَيَّ، وكم باك بأجفان ضَيْغَمِ

  وما رَبَّةُ القُرْطِ المليح مكانه ... بأجْزَعَ مِن رَبِّ الْحُسَامِ الْمُصَمَّمِ

  فلو كان ما بي من حبيب مقنع ... عَذَرْتُ ولكن من حبيب مُعَمَّمِ

  رمَى وَاتَّقَى رَمْيِي و مِنْ دُونِ ما اتقى ... هوى كاسر كفي وقوسي وأسهمي

  إذا ساءَ فِعْلُ المرء ساءت ظنونهُ ... وصَدَّقَ ما يعتاده من تَوَهُمِ

  فإنه كنى عن سيف الدولة أولاً بالحبيب المعمم، ثم وصفه بالغدر الذي يدعي أنه من شيمة النساء، ثم لامه على مبادهته بالعدوان، ثم رماه بالجبن لأنه يرمي ويتقي الرمي بالاستتار خلف غيره على أن المتنبي لا يجازيه على الشر بمثله لأنه لا يزال يحمل له بين جوانحه هوى قديماً يكسر كفه وقوسه وأسهمه إذا حاول النضال. ثم وصفه بأنه سيئ الظن بأصدقائه لأنه سيئ الفعل، كثير الأوهام والظنون حتى ليظن أن الناس جميعاً مثله في سوء الفعل، وضعف الوفاء ... وانظر كيف نال المتنبي من سيف الدولة هذا النَّيْلَ كله من غير أن يذكر من اسمه حرفاً واحداً.

  وفي الختام: لا ننسى أن الكناية كانت بصورها المختلفة وبوسائطها المتعددة مركب المتصوفة ومداح الرسول الكريم ، كما هي