الباب الثالث فن الكناية
  
  الحمد الله بديع السَّموات والأرض، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خير من نطق بالضَّاد، وعلى آله وصحبه وسلم.
  وبعد، فهذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة البلاغة العربية في ثوبها الجديد في علم البديع، أضعها اليوم بكل تواضع بين أيدي العلماء والدارسين.
  ولئن جاءت هذه الحلقة متأخرة بعض الوقت عن سابقتيها: علم المعاني وعلم البيان، إن ذلك لم يكن كسلاً، أو إهمالاً، أو تقصيراً، أو قريباً من هذا كله، وإنما كان، في الحق، تهيباً من الإقدام على الخوض في علم هو في ظاهره لين الملمس ناعم المظهر، رقيق الحواشي، سهل بسيط، لكنه في حقيقته غير ذلك، ففيه الحزونة، وفيه الاستعصاء، وفيه المزالق والعقبات والمخاطر.
  ولقد يخيَّل للناظر العجلان أن التأليف في البلاغة، بوجه عام، وفي البديع، بوجه خاص، أمر يسير، إذ يكفي أن تأخذ كتاباً في هذا الفن، قديماً أو حديثاً، وتنسل منه ما تشاء، ثم تضع على غلافه اسمك ولقبك، شأنك في هذا شأن كثير ممن ألفوا في علوم البلاغة، تباينت أسماؤهم، واتفقت مضامين كتبهم.
  ويعلم الله، أنَّ هذه الحلقة التي خصصت لعلم البديع وحده، أخذت من الجهد، والسهر، والمراجعة والتدقيق والسؤال، والاختبار ما لم يأخذ مؤلف آخر، أكبر حجماً، وأوسع أفقاً.
  ولعل ما يلفت النظر أن الناس اختلفوا في حكمهم على البديع وأهله