البديعيات
  المصطفى عليه الصلاة والسلام ألوان البديع، مع المحافظة على البحر البسيط، والميم المكسورة رويا، وطول القصيدة أبياتاً.
  ويبدو أن الذي فجر ينبوع البديعيات شاعر مصري من قرية «بوصير»، من أعمال بني سويف، أصله من المغرب، من قبيلة صنهاجة، اسمه محمد بن سعيد ابن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري شرف الدين، ولد سنة ٦٠٨ هـ / ١٢١٢ م، وتوفي بالإسكندرية سنة ٦٩٦ هـ / ١٢٩٦ م.
  كان البوصيري شاعراً رقيقاً، ورجلاً متديناً صالحاً، وذا عيال، وكان يغلب عليه الفقر.
  أصيب بفالج نصفي، شله، وأقعده طريح الفراش، رهين الدار، فاستكان القضاء الله وقدره، وراح يستعين على بلواه بالاستغفار والتهليل والتسبيح والدعاء والتضرع إلى الله، ويكثر من الصلاة والسلام على النبي ﷺ.
  وبدا له أن ينظم في محنته هذه قصيدة طويلة، استهلها على عادة الشعراء بمقدمة غزلية، حن فيها إلى ديار الحبيب، وذكر مواطن حبه، وتلمس كل أثر فيها، وكان من جملة ما ذكر: ذو سلم، وإضم. وكاظمة، والبان، والعلم. وهي، في الحقيقة، مواطن، وجبال، وأودية، تحيط بالمدينة المنورة، فدل بهذا الذكر على أنَّ حبه ليس كحب سواه من الشعراء، وإنَّما هو حب متمثل بالرسول ﷺ، وما هذه المواطن إلا أطر للمدينة المنورة تتنشق من عبق الحبيب الكريم.
  وكأن البوصيريَّ كان ينحو منحى الشريف الرضي حين رمز إلى حبه السامي، وحنينه إلى ديار الرسول ﷺ في مستهل قصيدته، حيث قال:
  ياظبية البان ترعى في خمائله ... ليهنك اليوم أن القلب مرعاك
  الماء عندك مبذول لشاربه ... وليس يرويك إلا مدمعي الباكي
  سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق، لقد أبعدت مرماك
  أما البوصيري فقد تخيل في مقدمته الغزلية عذولاً أو لاحياً وقف يستنطقه عن سر بكائه الذي امتزجت فيه الدموع بالدماء ... ألأنَّه تذكر جيرانه بذي سلم، أم لأنَّ