البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

البديعيات

صفحة 23 - الجزء 3

  كما أن مضمون هذه المؤلفات، وما حوته في ثنايا صفحاتها من فنون الأدب الشعري والنثري، والقصص والأمثال، ولمحات من النحو والصرف والعروض والتاريخ. إضافة إلى الشواهد من الشعر، وآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول العظيم وغيرها. كل ذلك يدفعنا إلى تقدير أثرها البالغ في حركة التأليف.

  وهذه الحركة التأليفية لم تقتصر على شروح البديعيات وحدها، وإنَّما كانت هناك كتب أخرى انطلقت من البديعيات، ولم تكن شرحاً لها، بل كانت في النقد والبحث في السرقات والاحتجاج لهذا أو لذاك، مضافاً إليها مختصرات الشروح، وشروح الشروح أحيانا.

  ونضرب على هذه النماذج مثلاً «خزانة الأدب» لابن حجة الحموي، و «أنوار الربيع» لابن معصوم و نفحات الأزهار على نسمات الأسحار للنابلسي. فلقد كان الشارح يوضح معنى بيت البديعية، ويذكر ما فيه من صور بلاغية، ثم ينتقل إلى عالم فسيح وضي؛ متألق مليء بالشواهد، والقصص، والتراجم، والأخبار، والنقد ممَّا تَلَذُّ قراءته، ولا تُمَل عشرته. وما كان البديع إلا مطية يتوسل بها المؤلف ليحلق على أجنحتها، ويسير في رحاب ما زخر به صدره، ووعاه عقله من فنون الأدب والمعرفة، ولذلك فلسنا قادرين على أن نسمي هذه الشروح إلا بجنة مدخلها «بديع»، وكل ما فيها متنوع بديع، دانية قطوفها، طيبة ثمارها متنوعة أزهارها، لا يخرج منها المرء إلا بكل مستملح مستطاب، وهي بحق خزانة أدب وعقل⁣(⁣١).

  ولا ننسى، كذلك، أن كثيراً من هذه الشروح أوردت أشعاراً، بل قصائد كاملة لرجال عاصروا صاحب الشرح، أو كانوا من أصدقائه، طوى الردى الشارح والشاعر، ولم يبق إلا ما جاء مسجلاً. في الكتاب، أما غير ذلك مما لم يرد فيه، فقد ذهب أدراج الرياح، وأصبح أثراً بعد عين. لهذا، فإنا نسجل هذه الالتفاتة الطيبة للشارحين بمداد من الشكر والتقدير.

  لكن عيبنا، كذلك، على هؤلاء الشراح كبير، ذلك أنهم أخذوا البديعيّة


(١) البديعيات في الأدب العربي ص ١٨٥ - ٢١٤.