البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

البديعيات

صفحة 22 - الجزء 3

  شمائلها عظيمة وحبيبة إلى كل الناس، بل كانت أسرة قلوب المحبين في جميع أرجاء العالم الإسلامي:

  هذان العملان الرائعان شجعا الشعراء على أن ينهجوا نهج البوصيري في أشواقه ومواجده وموسيقاه، والحلي في ألوان بديعه التي ضمنها.

  وفتحنا أعيننا، وإذا نحن امام ما يزيد على مائة بديعية في أدبنا العربي، كلها تمدح رسول الله محمداً ، وتنظم في ثناياها فنون البديع، وتتخذ البحر البسيط نغماً، والميم المكسورة رويا، وأكثر من هذا فإن هذا الفن بقواعده كاملة انتقل إلى لغات العالم الإسلامي، فنظم شعراء الأتراك بديعيات باللغة التركية، ونظم شعراء فارس بديعيات باللغة الفارسية، ونظم أهل السند والهند بديعيات باللغة الأوردية. كما نظم الشعراء النصاري بديعيات في مدح السيد المسيح # باللغة العربية. ونعتقد أنه لا يزال في العالم الإسلامي من يعكف على نظم بديعيات، ليكون حلقة في سلسلة الشعراء والعلماء والمحبين.

  ولعل من أشهر ما قرأنا من بديعيات، إضافةً إلى بديعية الصفي الحلي، بديعية عز الدين الموصلي، وشعبان الآثاري، وابن حجة الحموي، والسيوطي، وعائشة الباعونية، وابن معصوم المدني، وعبد الغني النابلسي.

أثر البديعيات في الأدب

  إن ناظمي البديعيات لم يكونوا شعراء فحسب، وإنما كانوا شعراء أدباء، قد امتلكوا زمام الأدب من شقيه: الموهبة الشعرية، والمقدرة على التأليف، فهذبت الشاعرية أقلامهم، وقعد القلم أشعارهم.

  وهؤلاء النفر من الناس ما كانوا ليكتفوا بنظم البديعية، في الغالب، بل كانوا يجعلون همهم في شروحها، والتنبيه على مُستغلقاتها، والإشارة إلى مواطن الاستشهاد فيها؛ أو يأتي صديق للناظم، أو معجب به، فيقوم على شرحها، ولذلك فقد وجدنا بين أيدينا مجموعة كبيرة من المؤلفات التي دارت حول البديعيات. وهذه المجموعة كونت خطاً متميزاً في المكتبة العربية، وجانباً لا يستهان به في التراث الأدبي في العصور المتأخرة.