البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

البديعيات

صفحة 25 - الجزء 3

  قبله. إنَّ هذين العملين فتحا القلوب للبديعيات أولاً، ثم لفنون البديع بشكل خاص، وعلوم البلاغة بشكل عام.

  ومن هذه المحبة البالغة راح الشعراء يتبارون في نظم البديعيات، ويرون فيها الغاية المثلى التي ينشدون، والهدية الرائعة التي بها إلى حكامهم وأمرائهم وملوكهم يتقدمون.

  لقد غدت البلاغة على يد البديعيات «فنّاً شعبياً»، بعد أن كانت علماً متربعاً في برج عاجي لا يدركه إلا خواص المثقفين. أما حين ولج البديع في المديح المنبوي فقد غدا شعبياً جماهيرياً، يحفظه المنشدون، ويغنونه في لقاءات الأنس والفرح، ونكاد نقول: إن البديع اصطبغ بهذه القصائد بصفة التكريم والتعظيم، ولم تنل العلوم البلاغية الأخرى في مباحث المعاني والبيان ما ناله البديع من تقدير.

  أضف إلى ذلك أن أقل ما يمكن أن توصف به البديعيات، عند غير محبيها وأنصارها، أنها لون من ألوان الشعر التعليمي، شأنها في ذلك شأن المتون العلمية المنظومة كألفية ابن مالك في النحو، والرحبية في الفرائض، وغيرها. وحتى في هذا التقويم، فإنَّ البديعيات «متون» تعليمية جمعت فنون البديع، وقدمتها سهلة سائغة إلى الناس جميعاً، متعلمين كانوا أو غير متعلمين، فنقلت هذا العلم من برجه العاجي إلى حياة الناس، ومختلف مجتمعاتهم، وعاشت معهم سبعة قرون من الزمن محبوبة، أليفة، منظوراً إليها بعين المحبة والتقدير والتكريم.

  ***