البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبالغة

صفحة 31 - الجزء 3

  فقدامة بن جعفر يورد هذا الموضوع فيقول⁣(⁣١): لقد اختلف الناس في النظر إلى الشعر وانقسموا مذهبين ناس يرون الغلو في المعنى، وناس يرون الاقتصار على الحد الأوسط، بل إن بعضهم يستجيد الغلو في شعر وينكره في آخر. ويقول معلقاً على ذلك: إن الغلو عندي أجود المذهبين، وهو ما ذهب إليه اهل الفهم بالشعر والشعراء قديما، وقد بلغني عن بعضهم أنه قال أحسن الشعر أكذبه، وكذا يرى فلاسفة اليونانيين في الشعر على مذهب لغتهم وفي مكان آخر يقول قدامة إنه يؤيد الغلو في الشعر ولو أفرط فيه الشاعر، وجاء بما يخرج عن الموجود.

  وينهض ابن حزم الأندلسي لهذا الموضوع⁣(⁣٢)، ويأخذ برأي من يقول:

  أحسن الشعر أكذبه، ويقول فإذا أخذ الشاعر في الصدق فقال: الليل ليل والنهار نهار، أصبح محطاً للهزء والسخرية، وهذا الإغراق تصدقه الآية القرآنية في الشعراء، ولذلك نهى النبي عنه إلا ما خرج عن حد الشعر، فكان مواعظ أو حكماً أو مدحاً للنبي أو حديثاً فيما يفيد الناس وينفعهم.

  وفي كتاب «المنصف»⁣(⁣٣) للتنيسي تأييد لهذا الاتجاه ورد على الحاتمي صاحب كتاب حلية المحاضرة في قضية «أعذب الشعر أكذبه» إذ يقول في الغلو والإسراف: (وطائفة من الأدباء يستحسنونه ويقولون أحسن الشعر أكذبه، والغلو يراد به المبالغة في مجيء الشاعر بما يدخل في المعدوم ويخرج عن الموجود، وقد أبت طائفة من العلماء استحسان هذا الجنس لما كان بخلاف الحقائق، ولخروجه عن اللفظ الصادق) ثم يقول عنهم (ما أتوا بشيء، لأن الشعراء لا يلتمس منهم الصدق، وإنَّما يلتمس منهم حسن القول، والصدق يلتمس من الخيار الصالحين وشهود المسلمين)⁣(⁣٣).


(١) نقد الشعر ص ٢٦.

(٢) التقريب ص ٢٠٦ - ٢٠٧.

(٣) المنصف في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبي ومشكل شعره للتنيسي. تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية ص ٧٨ (دار قتيبة بدمشق ١٩٨٢ م).