المبالغة
  مثله مشتبهاً به صورة ومعنى، فما كان التشبيه صادقاً قلت في وصفه «كأنه» أو قلت «ككذا» وما قارب الصدق قلت فيه «تراه» أو «تخاله» أو «يكاد». فإذا خرج عن الصدق انتقل إلى الغلو والإفراط، وذلك عيب(١).
أصحيح قولُهم: أَعَذَبُ الشَّعْرِ أَكْذَبُهُ؟
  و يقف الآمدي من المبالغة موقف ابن طباطبا. ويعرض لها عند حديثه عن قولهم أعذب الشعر أكذبه فيقول: (وقد كان قوم من الرواة يقولون أجود الشعر أكذبه، ولا والله، ما أجوده إلا أصدقه إذا كان له من يخلصه هذا التخليص، ويورده هذا الإيراد على حقيقة الباب)(٢).
  ويشايع الوعاظ هؤلاء النفر الذين يعارضون «أعذبه أكذبه» ويفندون ذلك في ضوء الشريعة والمبادئ الدينية الواضحة، وينقلون الموضوع من حدود البلاغة والنقد إلى حدود القول وما يتحدث به المرء بوجه عام، فلا يزال يصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، أو لا يزال يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. ومقام الصديقين في الآخرة غير مقام الكذابين، ومصير هؤلاء غير مصير أولئك. وأنَّ الملكين على كاهلي الإنسان يسجلان كل ما يتحدث به، ويلفظ، والآية الكريمة تنص على أنه {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ١٨}[ق].
  الموضوع إذن ليس موضوع بلاغة، أو بديع، أو قضية نقدية، وإنما هو موضوع يتصل بجوهر الدين، وصميم السلوك الإنساني على أوسع مدى.
  تلك هي الحجج الكبرى التي يتمسك بها المعارضون، وعلى أساسها يرفضون موضوع المبالغة والإغراق والغلو.
  لكن الفريق الأول الذي يؤمن بالمبالغة وألوانها لا يقف مكتوف الأيدي، أخرس اللسان، وإِنَّما يفند حجج خصومه، ويدحضها حتى ليكاد يقضي عليها.
(١) ص ٧.
(٢) الموازنة ٢/ ٥٨.