البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبالغة

صفحة 39 - الجزء 3

  لبعض الصالحين، فلم ينل منه غَرَضاً، فقال له الصالح: من أشد عليك. العابد الجاهل، أو العالم المسرف على نفسه. فقال إبليس: العالم المسرف: وأما العابد الجاهل فهو في قبضتي، أدخل عليه في دينه من حيث شئت، وأنا أريك ذلك. فانطلق به إلى أعبد الجهال في ذلك الزمان، فطرق عليه الباب، فخرج إليهما. فقال له إبليس: جئت أستفتيك: هل الله قادر على أن يدخل الجمل في سم الخياط أو لا؟ فتوقف وتحير وأغلق الباب. فقال إبليس للصالح: ها هو قد كفر بالشك في قدرة الله تعالى. ثم انطلق به إلى عالم مسرف على نفسه، وطرق عليه الباب، وكان في القائلة، فقال الرجل العالم من هذا الشيطان الذي يضرب بابي في القائلة؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام: قِيلُوا، فإنَّ الشَّياطين لا تَقِيلُ. فقال إبليس: ها هو قد عرفني قبل أن يراني. فلما خرج قال له إبليس: هل في قدرة الله تعالى أن يدخل الجمل في سم الخياط؟ فقال العالم أتشك في قدرة الله تعالى على أ أن يوسع سم الخياط حتى يُدخل فيه الجمل، أو يُرقِّق الجمل حتى يصير كالخيط، فيدخل في سم الخياط. فانصرفا، وقال إبليس للرجل الصالح معرفة هذا الله تمحو ذنوبه، وحاله خير من حال العابد الجاهل بالله.

المبالغة في المديح النبوي

  وبعد، فلقد أورد ابن حجة في خزانته أن المبالغة في المدائح النبوية والصفات المحمدية مقبولة، وقال في حديثه عن الإغراق: إنَّ مقام النبي صالح للمغالاة بالإغراق في مديحه. وفي معرض حديثه عن الغلو قال: إنَّ كلَّ غلو في حق النبي لا يُعدّ غلُوا.

  ويبدو لنا أن وضع ضوابط وحدود في المديح النبوي واجبة. هذه الضوابط تعتمد في المقام الأول على مقام «العبدية» للرسول ، فهو عبد الله ورسوله. وكل مديح وثناء لحضرته يجب ألا يخرج عن هذه الحدود، وإذا ضمنا هذا الشرط فلِلْمَادِح أن يقول ويثني بقدر ما يفتح الله عليه والرسول العظيم جدير بكل محبة وثناء .

  إن هذا القيد الذي وضعناه مقتبس من تعاليم الرسول ،