المبالغة
  «لو» الذي وصفه النحاة بأنه حرف امتناع لامتناع. وبعبارة أخرى: لقد أحيطت المعاني في الأبيات بما يفيد عدم وقوعها، ومثل هذا كاف لجعلها مقبولة.
  أما إذا لم يكن في الأبيات المغالى في معانيها هذه الاحتياطات، فهي على الغالب تكون مرفوضة كقول أحدهم:
  أسكرُ بالأمسِ إن عزمت على الشرب غدا، إنَّ ذا من العجب أو كقول أبي نواس(١):
  وأخفت اهل الشرك حتَّى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق فالبيت الأول مرفوض عقلاً وعادة، والثاني مرفوض زيادة على العقل والعادة بالشريعة.
طرفة لطيفة في موضوع المبالغة
  ومن لطيف ما قرأنا في موضوع «الإغراق» أن شاعراً قال عن شدة ما يلاقي في الحب:
  ولو أن ما بي من جوى وصبابة ... على جمل لم يبق في النَّارِ كافر
  كأنه يريد أن يقول: إنَّه لو كان ما به من الحب وعذابه على جمل النحل هذا الجمل ورق جسمه حتى يدخل في سم الخياط «أي في ثقب الإبرة».
  ومثل هذا القول لا يستحيل عقلاً، لأن قدرة الله قابلة لذلك، لكنه ممتنع عادة وهذا هو الإغراق.
  وبهذه المناسبة أورد ابن حجة حكاية خلاصتها: أن إبليس تعرض
(١) ديوانه ص ٤٠١. ومطلع القصيدة «يجلو القذى بعقيقتين اكتتا». ويروى ان العتابي الشاعر لقي أبا نواس فقال له ما استحييت الله تعالى حيث قلت، وذكر البيت «وأخفت» فقال ابو نواس وانت فما راقبت الله ø حيث قلت:
ما زلت في غمرات الموت مطرحاً ... يضيق علي وسيع الرأي من حيلي
فلم تزل دائباً تسعى بلطفيك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلي
فقال العتابي قد علم الله ø ذكره وعلمت ان هذا ليس مثل قولك، ولكنك أعددت لكل سؤال جواباً.