الإرصاد
  يبدأ في إنشادها حتى يعرف السَّامع قوافيها، وما ستنتهي إليه. ولعمري إنَّ الإرصاد صفة مديح للقصائد التي يتوقع السَّامع قوافيها قبل أن يتلفظ بها شعراؤها. والشاعر الحق هو الذي يُشركُ سامعه في النظم معه حيث يجعله ينشد القافية قبل أن يصل إليها الشاعر.
  ولعلَّ لاميَّة البحتري شاهد واضح، على جمال الإرصاد، وروعة موقعه، وحسن اختياره. بل كأَنَّ الشاعر ليس البحتريَّ وحده، وإنما معه كل سامع أو قارئ وتلك هي بعض أبيات القصيدة:
  ذاك وادي الاراك فاحبس قليلا ... مُنصرا من صبابة او مُطيلا
  وخلافُ الجميل قولك للذا ... كر عهد الاحباب صبرا جميلا
  لا تلُمه على مواصلة الدمـ ... ـع، ولُؤملٌ لومُ الخليل الخليلا
  علَّ ماء الدموع يُخمِدُ نارا ... من جوى الحبَّ او يُبلُّ غليلا
  لم يكن يومنا طويلا بنعما ... ن، ولكن كان البكاء طويلا
  ***
  قد وجدنا محمد بن عليٌّ ... غاية المجدِ قائلا وفعُولا
  خلف البهر للجياد وألقى ... في مدى المجد غرَّة وحُجُولا
  بلغ المكرُمات طولا وعرضا ... وتناهت إليه عرضا وطولا
  وكأن الأصول كانت فُروعا ... وكأن الفروع كانت أصولا
  سلبوا البيض بزها وأقاموا ... بظباها التأويل والتنزيلا
  وإذا حاربوا أذلوا عزيز ... وإذا سالموا أعزو ذليلا
  خُذ ما شئت من أبيات هذه القصيدة، وابدأ بتلاوة أوله، فإنَّك واجدٌ نفسك مسوقاً بصورة فطرية وطبيعية إلى النهاية نفسها التي ختم بها الشاعر بيته.
أسس الإرصاد
  ولعل ما يساعد كلَّ شاعر على هذه السَّلاسة والعفوية حسنُ استخدامه الطَّباق مَّرة، والترديد للألفاظ أخرى، والمقابلة حيناً ثالثاً، وردَّ العجز على الصدر حيناً آخر، إلى غير ذلك من وسائل الصنَّعة والمهارة الفنية التي يجب أن يتحلَّى بها الشَّاعر قبل أن يُقصد القصيد، وينظم الشَّعر، ويصوغ البيان.