الإرصاد
  ويُخيَّل إلينا أنَّ قدرة الإنسان على عرض موضوعه بصورة واضحة، و بأسلوب رشيق، وبأفكار مرتَّبة منظمة، بحيث تكون كلّ فكرة منظومة إلى اختها كالعقد مهارة فائقة، وسبيل من سبل نجاح ذلك الإنسان.
الإرصاد ومراعاة النظير
  ولعلنا لا نكون مخطئين لو قلنا: إنَّ الارصاد جزء صغير من الموضوع الذي سماه البلاغيون «مراعاة النظير» ذلك أنّه في مراعاة النّظير يقرن المتحدث الكلمة بأختها، والفكرة بما يلائمها، ويجعل الكلام متوافقاً جملة وتفصيلا، مبنى ومعنى. وما الإرصاد إلا توقع كلمة أو عبارة تدور في ذهن السامع، ويتمنَّى أن ينتهي إليها المتكلم، ثم تأتي هذه الكلمة مصداقاً لما فكّر به السامع، ووفاقاً لما توقع. أوليس هذا وضعاً للنَّظير مع النظير، والشبيه مع الشبيه؟
الإرصاد والفاصلة القرآنية
  وتروي لنا الأخبار أنَّ زيد بن ثابت، ¥، كان يكتب ما يُملي عليه رسول الله ﷺ، فأملي عليه الآيات التالية {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}[المؤمنون: ١٢ - ١٤] وهنا نهض صحابيّ آخر هو معاذ بن جبل، ¥، فقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}[المؤمنون] فضحك الرسول ﷺ فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: «بها ختمت» وفعلاً، فإنّ تلك الآية ختمت بقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}[المؤمنون].
  إنّ معاذ بن جبل، ¥، عربي صميم، وذوّاقة مرهف، ولقد أدرك ما يجب أن تنتهي به الآيات، فتوقعها، وصدق توقُّعه، وفعلا ختمت الآيات بما قال.