البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

التورية

صفحة 88 - الجزء 3

  (إنك حكيم عالم، فلم جهلت أنَّ الحمل دائماً في مقابل الميزان، وما دمت لم تزن الحمل فلن تأخذهُ إلى بيتك ...) وتعجَّب أبو علي من هذا الكلام، وضاعف للقروي ثمن حمله.

  ويعلّق الوطواط على الحكاية قائلاً: (وذلك أنه إذا نظرنا إلى لطف هذا الكلام وجدنا أن خاطر السامع ينصرف إلى الحمل الذي هو من صغار الضَّأن، وإلى الميزان الذي يزنون به الذهب والفضَّة بينما قصد القرويّ بكلامه بُرج الحمل وبرج الميزان اللذين يتقابلان دائماً⁣(⁣١) فقال في ذلك نادرة مناسبة لعلم الحكماء تليق بأبي علي).

تاريخ التورية وأعلامها

  ويتَّفق ابن حجَّة الحموي وصلاح الدين الصَّفدي على أنَّ المتأخرين هم الذين سموا إلى أفق التورية، وأطلعوا شموسها، وَمَازَجُوا بها أهل الذوق السليم لما أداروا كؤوسها، وأجمعا على أنّ القاضي الفاضل هو الذي عصر سُلافة التورية لأهل عصره، وتبعه القاضي السعيد ابن سناء المُلك، ثم جاء بعدهما شعراء كثر حفلوا بها. ومنهم سراج الدّين الورّاق، وأبو الحسين الجزار، والنَّصير الحمامي، وناصر الدين حسن بن النَّقيب، والحكيم شمس الدين بن دانيال، والقاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وشرف الدّين الأنصاري، والأمير مُجير الدّين بن تميم، وبدر الدّين الذهبي، ومُحيي الدين الحموي، والشاب الظريف، وسيف الدين بن المشد وغيرهم.

  الطَّريف في كتب البلاغة أنَّك تجد الجرجاني والرازي والسكاكي والقزويني لم يحفلوا بالتورية، على اختلاف مسميَّاتها عندهم، ولم يعطوها من كلامهم أكثر من سطور معدودات، وتجد في الوقت ذاته مؤلفين آخرين جعلوها في قمة اهتمامهم، وأفردوا لها الصَّفحات الكثيرة في مؤلفاتهم فابن حجَّة الحموي خصص لها في كتابه «خزانة الأدب» مائة وسبع عشرة صفحة


(١) في حساب الأبراج يبدأ برج الميزان في ٢٢ ايلول «سبتمبر» أي أول فصل الخريف، ويبد برج الحمل في ٢٢ آذار «مارس» في أول فصل الربيع وهذا معنى قوله ... «يتقابلان دائما».