البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

التورية

صفحة 89 - الجزء 3

  من أصل أربعمائة وستين صفحة هي مجمل صفحات كتابه، أي بما يعادل ربع الكتاب، وأورد لها من الشَّواهد ما يزيد على المئات، ثم أفرد لها مؤلفاً خاصاً أسماء «كشف اللثام عن وجه الثورية والاستخدام»⁣(⁣١). وكذلك فعل ابن معصوم في كتابه «أنوار الربيع» إذ أفرد لها مائة وثلاث عشرة صفحة من الجزء الخامس «في الطبعة المحققة»، وأورد مئات الشواهد، وإن كان معظمها منسولاً من خزانة الأدب لابن حجَّة. أمَّا صلاح الدين الصَّفدي فقد ألف كتاباً عنوانه (فض الختام عن التورية والاستخدام⁣(⁣٢))، كما ألف عبد الغني النابلسي كتاباً في الموضوع ذاته سماه (نفحات الأزهار⁣(⁣٣)).

  ويبدو أن الاقتباس أو «السرقة» في التَّورية كان قوياً وشائعاً، فما إن يبتكر أحد الشعراء تورية حتى يتطفل عليه شاعر آخر فيسرقها، ويصوغها بقالب جديد، ثم يأتي ثالث فيأخذ من الثاني وهكذا فلقد تطفَّل ابن نُباتة على توريات المظفَّر الكندي الوداعي، وجاء صلاح الدّين الصَّفدي فتطفَّل على معاني ابن نباتة، وقد أبان ابن نباتة سرقات الصفدي بمؤلف دعاه (خبز الشعير⁣(⁣٤)).

  ووقف مؤلف «الطراز» من التَّورية موقفاً مناهضاً، فذكر أنه ليس يتعلَّق بها كبير بلاغة، ولا عظيم فصاحة، ولكنّها غير خالية من تفنن في الكلام واتساع فيه، وتدُّل على تصرف بالغ، وقوة على تصريف الألفاظ واقتدار على المعاني. ثم قسمها إلى قسمين، وسمَّى الأول المغالطة المعنوية، والثاني الألغاز أو الأحجية، ونفي أن يكون في القرآن شيء من القسم الثاني؛ لأنَّ معرفة معانيه مقررة على ما يكون صريحاً لا يحتمل سواه من المعاني أو ظاهراً يحتمل غيره، أو مجملاً يفتقر إلى بيان، فأما ما يُعلم بالجزر والحدس فلا وجه له في القرآن⁣(⁣٥)


(١) طبع في بيروت سنة ١٣١٢ هـ.

(٢) مخطوط بدار الكتب المصرية (ن خ ١٢٦).

(٣) طبع في بولاق سنة ١٢١٩ هـ وفي مطبعة نهج الصواب بدمشق سنة ١٢٩٩ هـ.

(٤) انظر ابن حجة الحموي في خزانة الأدب ص ٣٣٨.

(٥) الطراز ٩/ ٣.