البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

القسم الأول جماليات في النظم والمعنى

صفحة 94 - الجزء 3

  جمع «شملة» وهي ما يضعه المرء على رأسه، أو كتفه.

  ولولا ذكر «اليمين» بعد الشمال لما فهم السامع معنى اليد الذي به التورية، وهذه هي التي سماها البلاغيون بالتورية المهيأة، لأنها لا تتهيأ؛ ولا تستقر فيها التورية إلا بلفظ قبلها أو بعدها. وقد عد ابن منظور هذا القول من أحسن الألفاظ وألطفها بلاغة وفصاحة:

  ومن لطائف شعر أبي الحسين الجزار⁣(⁣١):

  تزوج الشيخ أبي شيخة ... ليس لها عقل ولا ذهن

  لو برزت صورتها في الدجى ... ما جسرت تبصيرها الجن

  كأنها في فرشها رمة ... وشعرها من حولها قطن

  وقائل قد قال: ما سنُّها؟ ... فقلت: ما في فمها سِنُّ

  الشاهد في قوله: (ماسنّها؟). والسنّ: لها معنيان: قريب، موري به، غير مراد، وهو السّنّ الكائنة في الفم، تقطع الطعام، وتطحنه. ومعنى بعيد، مورى عنه هو المراد بمعنى «العمر»، وهنا يدلّ على العجز والشيخوخه. وهذه التورية مبينة لقوله ما في فمها سنّ.

  وقال أيضاً في وصف داره⁣(⁣٢):

  ودار خراب بها قد نزلتُ ... ولكن نزلت إلى السابعه

  طريقٌ من الطُّرق مسلُوكةٌ ... محجَّتُها للورى شايعه

  تُساوِرُها هفوات النسيم ... فتصغي بلا أُذُنِ سامعه

  وأخشى بها أن أقيم الصلاة ... فتسجُد حيطانها الراكعه

  إذا ما قرأت «إذا زلزلت» ... خشيتُ بأن تقرا الواقعه

  فالواقعة تعني الوقوع والسقوط، وهو المورَّى عنه، كما تعني اسم سورة في القرآن الكريم. وقد بيَّن الشاعر توريته بذكر القراءة، واسم سورة الزلزلة كذلك.


(١) الخزانة ص ٢٤٩.

(٢) الخزانة ص ٢٥٢.