علم المعاني
  التأخير، أو الحذف، أو الذكر، أو التعريف، أو التنكير نكون قد تعلّمنا القاعدة النحوية والمعنى المراد منها، أو الغاية منها في آن واحد؛ وبعبارة أخرى نكون قد ملكنا الجسد الذي هو القاعدة والروح الذي هو المعنى.
  مثال آخر قد نجد في العربية عدداً من التراكيب، لا يعدو إعرابها النحوي المبتدأ والخبر؛ من مثل قولنا زيد كريم، زيد الكريم، الكريم زيد، زيد هو الكريم. فإذا ما اكتفينا بهذا الإعراب بدت هذه العبارات جميعاً على قدم المساواة، في حين أنها تختلف في مدلولاتها المعنوية اختلافاً كبيراً. هذا الاختلاف في المعاني من مهمات علم المعاني.
  مثال ثالث: قد لا ندرك الفرق المعنوي بين قولنا: أنا ما سمعت وما أنا سمعت، وما سمعت أنا لكن علم المعاني هو الذي يعلّمنا هذه الفروق، ويقفنا على المعاني المتباينة بين كل من هذه التراكيب.
  لذلك قالوا: إنه علم معاني النحو.
  وكم كنا نتمنى في سبيل تطوير علم النحو وتيسيره وتحبيبه إلى المتعلمين أن يقترن بعلم المعاني، وحينئذ يغدو هذان العلمان علماً واحداً، فيه روح وحياة، وجمال وبهاء!
  لنعد إلى أقوال الشيخ عبد القاهر الجرجاني.
  قال يشرح المراد من علم المعاني: إنه «ائتلاف الألفاظ ووضعها في الجملة الموضع الذي يفرضه معناها النحوي».
  وقال في موطن آخر: «واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الموضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نُهِجَت، فلا تَزِيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك، فلا تخلّ بشيء منها. هذا هو السبيل فلست بواجد شيئاً يرجع صوابه، إن كان صواباً، وخطؤه، إن كان خطأ، ويدخل تحت هذا الاسم إلا وهو