البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

التضمين

صفحة 114 - الجزء 3

  فالمصراع الأخير مأخوذ من بيت أبي فراس:

  سيذكرني قومي إذا جَدَّ جِدهُم ... وفي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدر

  ومن شعر ابن العميد قوله⁣(⁣١):

  وصاحب كنت مغبوطاً بصُحبته ... دهرا فغادرني فردا بلا سكن

  هبَّت له ريح إقبال فطار بها ... نحو السرور والجاني إلى الحزن

  كأنه كان مطوياً على إحن ... ولم يكن في ضروب الشعر أنشدني:

  (إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشين)

  فالبيت الأخير لأبي تمَّام.

  ومن طرائف التضمين ما حكي أنَّ الحيص بيص الشاعر قتل جروا وهو سكران، فأخذ أبو القاسم القطان الشاعر كلبة، وعلق في رقبتها قصاصة ورق بعد أن كتب عليها بعض أبيات من الشعر، وأطلقها عند باب الوزير، وأبصر الحراس الكلبة وفي عنقها الورقة، فأمسكوا بها، وأخذوا الورقة من رقبتها، ودخلوا بها على الوزير، وإذا مكتوب فيها:

  يا أهل بغداد إن الحيص بيص أتى ... بخزية أورثته العار في البلد

  أبدى شجاعته بالليل مجترئاً ... على جريَّ ضعيف البطش والجلد

  فأنشدت أمه من بعد ما احتسبت ... دم الأبيلق عند الواحد الصَّمد

  (أقول للنفس تأساءً وتعزية: ... إحدى يدي أصابتني ولم تُرِدِ

  كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي)⁣(⁣٢)

  فالبيتان الأخيران لامرأة من العرب قتل أخوها ابنها، فقالتْهُما تسلية لنفسها.

  وأخذ أبو الحسن حازم أعجاز بعض معلقة امرئ القيس وضمنها شيعره، ونقل معانيها إلى مديح الرسول فقال:

  لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

  وفي طيبة فانزل، ولا تغش منزلاً ... يسقط اللوى بين الدَّخُولِ فَحَوْمَل


(١) رد صاحب معاهد التنصيص في ٢/ ١٧٤ الأبيات إلى الصَّاحب بن عباد، واورد سبعة ابيات تختلف بعض الاختلاف عن الأبيات المذكورة اعلاه.

(٢) تهذيب الايضاح ١/ ٣١٤.