الجناس
  وجه الفرس(١) بينما يرى فريق آخر أنه يؤدي إلى العقادة والتقييد عن إطلاق عنان الفكر، ولهذا يقول ابن حجة أما الجناس فإنّه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله من أهل الأدب(٢) وينقل رأي ابن رشيق فيه حيث قال: هو من أنواع الفراغ وقلة الفائدة، ومما لا يُشك في تكلفه، وقد كثر منه هؤلاء الساقة المتعقبون حتى بَرَدَ وَرَكَ(٣) ويعود ابن حجة فيقول: ولم يحتج إليه بكثرة استعماله إلا من قصرت همته عن اختراع المعاني التي هي كالنجوم الزاهرة في أفق الألفاظ، وإذا خلت بيوت الألفاظ من سكان المعاني تنزلت منزلة الأطلال البالية(٤) وقد حمل ابن حجة على الصفدي الذي ألف كتاباً بعنوان «جنان الجناس» فقال عنه: وكان الشيخ صلاح الدين الصفدي يسْتَسْمِنُ وَرَمَه، ويظنه شحماً، فيُشبع أفكاره منه، ويملأ بطون دفاتره، ويأتي فيه بتراكيب تخف عندها جلاميد الصخور(٥).
  وقال الأمير ابن سنان الخفاجي الحلبي كلمة عَدْلٍ فيه فذكر أن هذا التجنيس إنما يحسن في بعض المواضع إذا كان قليلاً غير متكلف، ولا مقصوداً في نفسه، وقد استعمله العرب المتقدمون في أشعارهم، ثم جاء المحدثون فلهج به منهم مُسلم بن الوليد الأنصاري وأكثر منه، ومن استعمال المطابق والمخالف، وهذه الفنون المذكورة في صناعة الشعر حتى قيل: إنه أول من أفسد الشعر، وجاء أبو تمام حبيب بن أوس بعده فزاد على مسلم في استعماله والإكثار منه حتى وقع له الجيد والرديء الذي لا غاية وراءه في القبح(٦).
  ويبدو لنا أن الأمير الخفاجي معتدل الرأي في قوله (إِنَّما يحسن إذا كان قليلاً غير متكلف، ولا مقصوداً في نفسه) وقوله هذا يسري على كل ألوان البيان والبديع. فالاعتدال مطلوب في كل شيء، حتى في المحبة، فنحن
(١) الطراز ٢/ ٣٥٥.
(٢) خزانة الأدب ص ٣٠.
(٣) خزانة الأدب ص ٣١.
(٤) خزانة الأدب ص ٣١.
(٥) خزانة الأدب ص ٣١.
(٦) سر الفصاحة ص ١٨٣ وتهذيب الإيضاح ١/ ٢٥٥.