الطرد مديح والعكس هجاء
  أما قلبهما فهو:
  دنس، مريد، قامر ... كسب المحارم لا يهاب
  دفر مُكر، مُعْلَمُ .... نَغِلُ، مُؤَمِّلُ كل باب
  وفي مقامة ثانية يروي اليازجي على لسان بطله أن بعض الأعيان دفعوا إلى بطل مقاماته هبة لم ترضه، فتناول الشيخ ميسورهم وقال: إني قد قبلت بركم بالجنان، لا بالبنان، وحق علي مدحكم «بالقلب» لا باللسان. ثم دنا فتدلى، وأنشد وهو قد ولى(١):
  حلموا فما ساءت لهم شيم ... سمحوا، فما شحت لهم منن
  سلموا، فلا زلت لهم قدم ... رشدوا، فلا ضلت لهم سُننُ
  قال: وكان في الموقف فتى شديد الخنزوانة «أي الكبرياء»، قد انتصب كالأسطوانة، فلما أدبر الشيخ قال: إني لأعرف هذا الخبيث، وقد رابني ذكره «القلب» في الحديث، فاقلبوا البيتين لعل بهما شيئاً من الشين فابتدر رجل إلى قلبهما، بعد كتبهما، وإذا هو يقول بهما:
  منن لهم شحت، فما سمحوا ... شيم لهم ساءت، فما حلموا
  سننٌ لهم ضلت، فلا رشدوا ... قدم لهم زلت، فلا سَلِمُوا
  ومن الطرائف التي تُروى في هذا الصَّدد أنَّ العماد الأصفهاني الكاتب مرَّ على القاضي الفاضل راكباً، فقال له العماد: «سير فلا كبَا بِكَ الفرس» ففهم القاضي الفاضل أن هذه العبارة تقرأ طرداً وعكساً، فأجابه «دام عُلا العماد».
  والقصائد المكتوبة بهذه الطريقة كثيرة، وفي أكثرها تكلف كثير، وأرباب هذه الصناعة مجمعون على أن أحسن ما قيل في باب «ما لا يستحيل بالانعكاس» بيت القاضي الأرجاني:
  مودته تدومُ لِكُلِّ هَوْلٍ ... وهَلْ كُلُّ مَوَدَّتُهُ تَدُومُ؟
  ومما يُروى من هذا الباب قولهم «أرض خضرا» و (سور حماه بربها
(١) مجمع البحرين المقامة الثامنة عشرة «الرجبية» ص ١١٣.