البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

التشجير والتطريز

صفحة 171 - الجزء 3

التَّشجير والتَّطريز

  بقي أن نقول: إنَّ شعراء العصور المتأخرة ابتدعوا لونا من النظم دعوه تارة بالتشجير، وأخرى بالتطريز

  ويعتمد هذا النَّظم على جعل أوائل الحروف في الأبيات تشكَّل اسماً معيناً. فلو أراد أحدهم أن يطرز اسم «أحمد» فإنه ينظم أربعة أبيات، و يجعل الأول يبدأ بالألف المهموزة، والثاني بالحاء، والثالث بالميم، والرابع بالدال. كقول أحدهم مطرزاً أو مشجراً بأحمد⁣(⁣١)

  أستودع الله ظبياً في مدينتكم ... سلامُه كان لي في الحال توديعا

  حُلوُ المراشف إلاَّ أنَّ مبسمه ... قد رصعته لآلي الثغر ترصيعا

  مُهفهفُ القدَّ إلا أن عاشقه ... على الوداد له ما زال مطبوعا

  دنوتُ منه فحاباني بمنطقه ... فأنتج الفكرُ تأصيلاً وتفريعا

  وقال آخر مطرزاً اسم «خديجة»⁣(⁣٢):

  خلتُ خال الخدَّ في وجنته ... نقطة العنبر في جمر الغضا

  دامت الأفراحُ لي مُذ ابصرت ... مقلتي صُبح مُحيا قد أضا

  يتمنَّى القلبُ منه لفتة ... وبهذا الحظّ للعين رضا

  جاهلُ رام سُلُوا عنه إذ ... حظر الوصل وأولاني النَّضا

  هامت العينُ به لما رات ... حُسن وجه حين كنَّا بالأضا

  وقال آخر مطرزاً باسم «غربية»⁣(⁣٣):

  غيداء كالبدر بليل التمام ... غادرني الحبُّ لها كالغلام

  رشيقةُ الأعطاف كالغصن كم ... رمى بقلبي طرفها من سهام

  بخدها روض وفي ثغرها ... بالمرشف الالعس كم من مدام

  يكاد بدر التم من فرعها ... يخفى إذا لاحت له بالظلام

  هي التي من بين كلَّ المها ... هام بها قلبي بوادي الغرام


(١) سلافة العصر ص ٤٩ والناظم عبد القادر الطبري المكي.

(٢) سلافة العصر ص ٢٠ والناظم عبد العزيز بن محمد الزمزمي الشافعي المكي.

(٣) سلافة العصر ص ٦١ والناظم علي بن عبد القادر الطبري المكي.