البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

التخيير

صفحة 196 - الجزء 3

التخيير

  وهذا لون آخر من ذوات القوافي، سماه علماء البلاغة «التخيير» وهو أن يأتي الشاعر ببيت يسوغ فيه ان يأتي بقواف شتّى، فيتخير منها قافية يرجحها على سائرها يستدل بتخييرها على حسن اختياره، كقول الشاعر:

  إن الغريب الطويل الذيل ممتهن ... فكيف حال غريب ماله قوت

  فإنه يسوغ فيه أن يقال: «ماله مال» و «ماله سبب» و «ماله احد» فإذا تأملت «ماله قوت» وجدتها أبلغ الجميع، وأدل على القافية، وامس بذكر الحاجة، وأبين للضرورة، واشجى للقلوب، وادعى للاستعطاف، فلذلك رجحت على ما ذكرناه⁣(⁣١).

  وإذا تأملنا الشعر العربي في مختلف عصوره لم نعدم وجود ابيات من هذا القبيل، مما يمكن أن تقلب قوافيها وتتعدد، ولقد اشتهر بين الناس أبيات ديك الجن الحمصي عبد السلام بن رغبان الكلبي:

  قولي لطيفك ينثني ... عن مضجعي عند المنام

  فعسى انام فتنطفي ... نار تأجج في العظام

  جسد تقلبه الكـ ... ـف على فراش من سقام

  اما انا فكما علمـ ... ـت فهل لوصلك من دوام


(١) خزانة الأدب ص ٧٨، وعقود الجمان ١٩٣/ ٢.