المشكلة
  مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦] أي تعلم ما في نفسي، ولا أعلم ما عندك، لأن الحق جل وعلا لا يُستعمل في حقه لفظ «النفس» إلا أنها استعملت هنا على سبيل المشاكلة لما تقدم من لفظ «النفس».
  وكذلك نقول في الحديث الشريف الذي رواه الشيخان عن عائشة ^ أنَّ النَّبي ﷺ دخل عليها وعندها امرأة. قال: «من هذه»؟ قالت: هذه فلانه تذكر من صلاتها. قال: «مه. عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تَمَلُّوا» وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه(١). فالمعنى أن الله لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا من مسألته. فاستعمل كلمة «لا يمل» موضع «لا يقطع الثواب» على جهة المشاكلة اللفظية.
  ومثله قول أبي تمام(٢):
  من مبلغ افناء يعرب كلها ... اني بنيت الجار قبل المنزل
  وبهذه المناسبة نورد هذه الطرفة: دخل دمشق أعرابي كان جائعا، فرأى حانوتاً فيه حلوى، وجفنة ارز متوج باللحم والشحم والأفاويه واللوز والفستق وغير ذلك من المقبلات والمشهيات، فظنه دارا للضيافة شارعة، فدخله مسلماً، وعرف الطباخ الذكي قصده، وأراد مداعبته فقال له ألا أسقيك ماء مثلجا؟ فرد عليه الأعرابي: بل اسقني رزا متوجا، وكنافة وكربجا. ثم قال بعد أن رجع إلى أهله يقص عليهم خبره:
  مررت بطباخ بجلق عارف ... بأسرار طهي الرز واللحم والشحم
  فسألته: هل منك ما يُمسك الحشا ... وقد كاد مني الجوع يفتك بالجسم
  فقال: الا استيك ماء مثلجا؟ ... فقلت: استني الرز المتوج باللحم
  وإلا اسقينه كربجا وكنافة ... ولا تسقني ما ليس يبنى به عظمي
  وعلى هذا الأسلوب قال ابن جابر الأندلسي:
  وقالوا: اتَّخِذْ دُهنا لقلبك يشفه ... قلت: ادهنوه بخده المتورد
(١) عن رياض الصالحين صر ٥١ «باب الاقتصاد في الطاعة».
(٢) أنوار الربيع ٥/ ٢٨٥.