البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

البلاغة علم وذوق

صفحة 9 - الجزء 1

البلاغة علم وذوق

  هذا البيان الساحر الذي نتلوه، قرآناً، وذاك القول الرائع الذي نعجب له ونطرب، وتلك الوردة الأنيقة التي تلفّنا بهالة من العطر والشذا. ما الذي جعلها تمتاز عن سواها، أليس فيها شيء فضَّلها على غيرها، بل أليس في تركيبنا النفسي والعقلي والجسدي ما شدنا إلى الإعجاب بها، والانجذاب إليها؟

  أَوَلَسْنا في مرة نرى أنفسنا متحمسين لقصيدة شعرية معينة، أو قطعة موسيقية، أو أنشودة غنائية، أو لون من الألوان، فنفضّلها على سواها، ثم نرى في الوقت ذاته إنساناً آخر، لم يذهب مذهبنا، فلم يتحمس لما تحمسنا، ولم يطرب لما طربنا، ولم يعجب بما أعجبنا؛ وإنما حماسته،

  وطربه، وإعجابه سارت في غير طريق وتوجهت إلى غير سبيل؟ ذلك سرّ هذا الكون، وعبقرية هذا الخَلْق اختلاف في المشارب والطبائع والنفوس والأهواء، وتباين في الأذواق والمواهب والمذاهب لتستمر حركة الحياة ولتعمر بناية الكون، ولتأخذ الحياة مجراها؛ ويكون للعقول والقلوب أثرها وقيمتها ورجحانها.

  وليس من الحق أو العدل أن نحكم على ما فضلنا أنه الخير والصواب أبداً، وما فضله غيرنا أنه الشر والخطأ دائماً. إذ لو كان لنا هذا لوقعنا في التناقض، وغرقنا في التيه. فميولنا قد تختلف بين عُمر وعُمر، وآونة وأخرى، ومحيط ومحيط، وثقافة وثقافة، وهكذا.