المبحث الأول الخبر
  تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ٥٧}[الأنفال](١) وأصل تركيب «فإما تثقفنهم»: «فإن تَنْقَفَنَّهُمْ». فإنْ حرف شرط يدل على ارتباط جملتين بعضهما ببعض، و ما حرف زائد للدلالة على تأكيد هذا الارتباط في كل حال من الأحوال.
  ومثاله من الشعر قول البحتري:
  وإذا ما جفيت كنت حريا ... أن أرى غيرَ مُصبح حيث أُمسِي(٢)
  ومثاله من شعر البارودي في وصف بعض مظاهر شيخوخته من ضعف بصره وثقل سمعه:
  لا أرى الشيء حين يَسْنَحُ إلا ... كخيال كأنن في ضباب
  وإذا ما دعيت حرتُ كأني ... أسمع الصوت من وراءِ حجاب(٣)
  و «ما» زيدت بعد «إذا» في المثالين السابقين لتأكيد معنى هذا الظرف. ومثاله من سائر الكلام: لأمر ما جَدَعَ قَصِيرٌ أَنفَهُ(٤)، وجئتُ لأمرِ.
  و «لا» تزاد مؤكدةً ملغاة نحو قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الحديد: ٢٩] و لا زائدة للتأكيد، والمعنى: «ليعلم أهل الكتاب ...»، ونحو قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ٧٥}[الواقعة].
(١) وهذه الآية نزلت في يهود المدينة الذين تكرر منهم نقض عهودهم مع النبي ﷺ. والمعنى: فإما تظفرن فنكل تنكيلاً شديداً يكون سبباً في تشريدهم وتشتيت من يقفون خلفهم من كفار مكة.
(٢) ديوان البحتري ص ١١٥٤ (ط. دار المعارف) ومطلع القصيدة: «صُنْتُ نفسي عما يدنّس نفسي».
(٣) ديوان البارودي ص ١٠٥ (ط. دار المعارف) ومطلع القصيدة: «أين أيام لذتي وشبابي».
(٤) مجمع الأمثال ١٩٦/ ٢.