البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الأول الخبر

صفحة 64 - الجزء 1

  تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ٥٧}⁣[الأنفال](⁣١) وأصل تركيب «فإما تثقفنهم»: «فإن تَنْقَفَنَّهُمْ». فإنْ حرف شرط يدل على ارتباط جملتين بعضهما ببعض، و ما حرف زائد للدلالة على تأكيد هذا الارتباط في كل حال من الأحوال.

  ومثاله من الشعر قول البحتري:

  وإذا ما جفيت كنت حريا ... أن أرى غيرَ مُصبح حيث أُمسِي⁣(⁣٢)

  ومثاله من شعر البارودي في وصف بعض مظاهر شيخوخته من ضعف بصره وثقل سمعه:

  لا أرى الشيء حين يَسْنَحُ إلا ... كخيال كأنن في ضباب

  وإذا ما دعيت حرتُ كأني ... أسمع الصوت من وراءِ حجاب⁣(⁣٣)

  و «ما» زيدت بعد «إذا» في المثالين السابقين لتأكيد معنى هذا الظرف. ومثاله من سائر الكلام: لأمر ما جَدَعَ قَصِيرٌ أَنفَهُ⁣(⁣٤)، وجئتُ لأمرِ.

  و «لا» تزاد مؤكدةً ملغاة نحو قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}⁣[الحديد: ٢٩] و لا زائدة للتأكيد، والمعنى: «ليعلم أهل الكتاب ...»، ونحو قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ٧٥}⁣[الواقعة].


(١) وهذه الآية نزلت في يهود المدينة الذين تكرر منهم نقض عهودهم مع النبي . والمعنى: فإما تظفرن فنكل تنكيلاً شديداً يكون سبباً في تشريدهم وتشتيت من يقفون خلفهم من كفار مكة.

(٢) ديوان البحتري ص ١١٥٤ (ط. دار المعارف) ومطلع القصيدة: «صُنْتُ نفسي عما يدنّس نفسي».

(٣) ديوان البارودي ص ١٠٥ (ط. دار المعارف) ومطلع القصيدة: «أين أيام لذتي وشبابي».

(٤) مجمع الأمثال ١٩٦/ ٢.