البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثاني الإنشاء

صفحة 75 - الجزء 1

  لعل انحدار الدمع يُعقِبُ راحةً ... من الوَجدِ أو يَشفِي شَجِيَّ البلابل⁣(⁣١)

  وإذا كانت «لعل» بمعنى «كي» نحو قوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ٢١}⁣[البقرة] و {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ١٥٢}⁣[الأنعام] أي كي تتقوا، وكي تتذكروا، وكذلك إذا كانت بمعنى «ظن» كقول امرئ القيس:

  وبُدِّلتُ قَرحاً دامياً بعد صحة ... لعلَّ منايانا تَحولَنَّ أَبؤُسا⁣(⁣٢)

  فإنها لا تفيد الرجاء، ولا تعد من صيغ الأسلوب الإنشائي غير الطلبي.

  ***

  وللتفريق بين الإنشاءين: الطلبي، وغير الطلبي يُلاحظ في الإنشاء الطلبي أن وجود معنى الجملة يتأخر عن وجود لفظه. على عكس الإنشاء غير الطلبي إذ يتحقق وجود معناه في الوقت الذي يتحقق فيه وجود لفظه. فإذا قال شخص لآخر: بعتك هذه السيارة، وقال الآخر قبلت فإن معنى البيع والقبول يتحقق في وقت التلفظ بكلمتي بعتك وقبلت. أما إذا دعا رجل ربه: رب اغفر لي فإن معنى الغفران يتحقق، أو يُرجَى تحققه بعد الدعاء.

  ويميل كثير من علماء البلاغة إلى تصنيف الإنشاء غير الطلبي في قسم «الخبر»، ويدللون على ذلك بقصَّة الأعرابي الذي بُشِّر بأنثى فقيل


(١) الشجي: الحزين. البلابل: ج بلبال وهو الهم ووسواس الصدر. والمراد بشجي البلابل المحزون الذي أفعم صدره حزناً. انظر ديوان ذي الرمة ١٣٣٣/ ٢ تحقيق الدكتور عبدالقدوس أبو صالح.

(٢) ديوان امرئ القيس ص ١٠٧.