البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثاني الإنشاء

صفحة 95 - الجزء 1

  آمنا أنه لا يستفهم عن الحال، وإنما يعجب له كيف غاب عن عيون محبّه، وهو يعلم أنه الحبيب الأوحد.

  وإذا قال له:

  كُن كيف شئتَ، فأنتَ أنتَ المرتضى ... فهواي فيك، هواي ليس يحول⁣(⁣١)

  علمنا أنه يريد من محبوبه أن يتقلب كما يشاء ويهوى، يرضى ويغضب، يصل ويقطع، يعطي ويمنع. فالأحوال كلها سواء؛ لأن محبّه باق على الحب أبداً.

  وإذا تساءل بقوله:

  تصوف القلب تدليلاً لساكنه ... فما شكى عَنَتَ البلوى ولا عتبا

  وكيف يوحش قلبي من سلافته ... وقد أدرتُ عليه الحب والأدبا؟⁣(⁣٢)

  عرفنا أنه يستنكر بسؤاله من نعت قلب الشاعر بالخلو من الحب، وبالوحشة من الناس والكائنات، لأن القلب الخالي من الحب والأدب قلب ميت. أما قلب الشاعر فَحَيَّ على الدوام.

  ***

  الخلاصة، ليس لنا أن نقول إن هذه الأداة لا تعني إلا كذا أو كذا، فالسياق وحده هو الذي يضفي على الأداة شعاعاً تتلون بلونه، وتتزيا بزيه.

  الأديب البليغ هو الذي قرأ ما قبل الاستفهام وما بعده، ونظر في نفسه، أو عرف ما في نفوس الآخرين، فحكم الحكم الحق العادل.

  ***


(١) المصدر السابق ص ١٨٩.

(٢) ديوان بدوي الجبل. ص ٣٩٥ من قصيدة عنوانها «هواجس».